للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ترجمة الأستاذ سعيد الأفغاني

سعيد الأفغاني.. حامل لواء العربية

إعداد: أحمد بن محمود الداهن (*)

"في طبعي هُيامٌ بالحرِّية والصَّراحة، وكثيراً ما أتنكب الطَّريق الأسلم في سبيل الجهر بما أرى أنَّه الحقُّ في العقائد والأشخاص، متحمِّلاً بصبرٍ وطمأنينة ما أجرُّ على نفسي من عناءٍ وعداء. وهذا بلاءٌ حتمٌ لا مفرَّ منه لمن خُلق صريحاً وحاول غير ذلك ما استطاع".

هذا ما كتبه الأستاذ سعيد الأفغاني عن نفسه..

إن مفتاح شخصية الأفغاني هو إيمانٌ بالإسلام وتمسُّكٌ به في جميع المواقف، وحبٌّ للغة العربية ينطلق صاحبُه منه بحماسةٍ وإخلاصٍ لرعايتها والدِّفاع عنها ونشرها وتعليمها، وكره من يعاديها من بعيد أو قريب.

لمحاتٌ من حياته: ولادته ونشأته: هو محمد سعيد بن الحاج محمد جان الأفغاني، هاجر والده من كشمير، ونزل دمشق واستقرَّ فيها، وتزوَّج من أسرة شامية، ورُزق بابنه محمد سعيد الذي ولد عام ١٩٠٩م.

نشأ الطِّفل محمد سعيد في كنف والده، وكان أبوه متديِّناً صالحاً، وإن كان لا يُحسن العربية.

وكان محمد سعيد كثيراً ما يذهب إلى المسجد الأموي، إما برفقة والده، أو حين يقطعه من بيته في حي العمارة شمالي الجامع إلى مكان عمل والده في حي البزورية جنوبيه.

رحلته العلمية: في هذه البيئة الشَّامية الإسلامية الأصيلة، نشأ محمد سعيد الأفغاني، وتفتَّحت عيونُه على الكتاتيب المنتشرة في أحيائها، كما تفتَّحت عيونه على ما كان يشاهد في الجامع الأموي من دروسٍ لا تنقطع طوال النهار.

وفي هذه الدُّروس المسجدية عرف أستاذَه (الشيخ أحمد النُّويلاتي) ، وفي حلقة هذا الشيخ عرف صديقَه (الشيخ علي الطنطاوي) .

والشيخ النويلاتي عالمٌ دمشقيٌ عاملٌ، ومصلحٌ فاضلٌ، قرأ على الشيخ طاهر الجزائري وتأثَّر بآرائه الإصلاحية، وقد قرأ عليه الأفغاني العربيةَ وعلوم الدِّين.

بدأ محمد سعيد الأفغاني تعليمه الرَّسمي منذ طفولته، إذ أدخله والدُه مدرسة الإسعاف الخيري في السَّابعة من عمره، ثم تابع دراسته الإعدادية والثانوية بعد ذلك في مدرسة التَّجهيز ودار المعلمين التي كانت تُسمَّى آنذاك (مكتب عنبر) ، وتخرَّج فيها حتى عام ١٩٢٨م، والتحق بمدرسة الآداب العليا في الجامعة السُّورية.

وفي العام نفسه (١٩٢٨م) ، عيَّنه الأستاذ محمد كرد علي، وكان وزيراً للمعارف، معلماً في مدرسة (منين) الابتدائية، تنقَّل بعدها بين عدَّة مدارس، حتى استقرَّ به المقام عام ١٩٤١م في مدرسة التَّجهيز الأولى بدمشق.

ولما أُنشئت كلية الآداب في الجامعة السُّورية، عُيِّن الأستاذ الأفغاني فيها أستاذاً مساعداً، ثم أُرسل عام ١٩٤٦م إلى القاهرة للتَّحضير لدرجة الدُّكتوراه موفَداً من وزارة المعارف، ووافقت جامعةُ فؤاد الأول بعد أن نجح في اختبارات القبول، على قيده للتَّحضير لدرجة الدكتوراه في كلية الآداب (قسم اللُّغة العربية) من العام الدراسي ١٩٤٧ - ١٩٤٨م.

عاد الأفغاني إلى دمشق دون أن يتمَّ العمل في برنامج الدكتوراه، وانقطع لتدريس اللُّغة العربية في كلية الآداب في جامعة دمشق، وتدرَّج في الوظائف: أستاذاً مساعداً منذ ١٩٤٨م، ثم أستاذاً بلا كرسي عام ١٩٥٠م، ثم أستاذ كرسي اللُّغة العربية سنة ١٩٥٧م، وعميداً لكلية الآداب نهاية سنة ١٩٦١م إلى نهاية سنة ١٩٦٣م، وأحيل إلى التَّقاعد بنهاية سنة ١٩٦٨م.

وكُلِّف الأستاذ الأفغاني, بالإضافة إلى عمله، القيامَ بدروس التَّطبيقات العملية في المعهد العلي للمعلِّمين.

ودعته الجامعة اللبنانية أستاذاً محاضراً، فاستجاب لدعوتها، ووضع لطلابها كتباً في قواعد اللُّغة العربية.

ثم تعاقدت معه الجامعة الليبية في بنغازي، حيث بقي عدَّة سنواتٍ أستاذاً ورئيساً لقسم اللُّغة العربية، ومشاركاً في رئاسة تحرير مجلَّة كلية الآداب.

وكانت آخر أعماله في سلك التَّدريس، أستاذاً للَّغة العربية في جامعة الملك سعود بالرياض، وبقي فيها حتى بلغ الخامسة والسبعين، فعاد إلى دمشق وخلد للرَّاحة.

وخلال خدمته في جامعة دمشق بين عامي ١٩٤٨م و١٩٦٨م، كلفته الجامعة تمثيلَها في عددٍ من النَّدوات والمؤتمرات، كان منها ما عُقد في القاهرة سنة ١٩٦١م، وفي بغداد سنة ١٩٦٢م، وفي إسبانية سنة ١٩٦٣م، وطهران سنة ١٩٦٣م أيضاً، وشارك في الموسم العلمي في المغرب عام ١٩٦٧م، واطَّلع في جولاته في المغرب وتونس على خزائن المخطوطات العربية القديمة.

وكان كثير السَّفر إلى مصر، إذ كانت له فيها صلاتٍ وصداقات، وطبع فيها عدداً من كتبه، وانتُخب في عام ١٩٧٠م عضواً مراسلاً في مجمع اللُّغة العربية في القاهرة، ثم انتُخب عضواً عاملاً فيه في سنة ١٩٩٠م.

حياته الاجتماعية: عاش الأستاذ الأفغاني نصفَ عمره عزباً، ثمَّ تزوَّج من سيدة فاضلة هي ابنة الأستاذ صلاح الدين الخطيب، ورزق منها بابنة وحيدة، وعاش حياة أسرية هانئة وهادئة، إلى أن قضت زوجته رحمها الله سنة ١٩٩٤م.

ولا يمكن الفصل بين الجانب الاجتماعي والجانب العلمي في حياة الأستاذ الأفغاني، إذ صرف الرَّجل همه لإتقان اللُّغة العربية وخدمتها في جميع الميادين، فقد كان متابعاً للجلسات الأدبية والفكرية والعلمية في زمانه، وكثيراً ما كان يحضر مجالس الأستاذ محمد كرد علي، وكانت صلته وثيقةً به وبمن يحضر مجالسه من مثقَّفي عصره وأدبائه، كالأستاذ عارف النكدي، والأستاذ خليل مردم بك، والأستاذ سليم الجندي، وغيرهم.

وكان له ولصاحبيه الشيخ عبد القادر العاني والشيخ علي الطنطاوي جلسات أسبوعية، منها التي كانت تُعقد بعد صلاة الجمعة في دار الحديث الأشرفية بالعصرونية، ويحضرها عدد من الفضلاء، مثل الدكتور أحمد حمدي الخياط، والأستاذ فخر الدين الحسني رحمهم الله. وكانت أطول جلساتهم عمراً، تلك التي كانت في المدرسة الأمينية، واستمرَّت ثلاثين سنة.

وكثيراً ما كان يخرج في أوقات الأصيل صيفاً إلى المتنزهات القريبة من دمشق بصحبة أصدقائه، أو يجلس معهم في مقهى بسيط على سفح قاسيون، وكان له عددٌ محدودٌ من الأصدقاء، اختارهم من مهنٍ متباينة، بعيداً عن الأساتذة الجامعيين، حرصاً على ألا تتحول النُّزهة معهم إلى جلسةٍ من مجالس الكلية.

سعيد الأفغاني وعلي الطنطاوي: كان بين الأستاذ سعيد الأفغاني والشيخ علي الطنطاوي علاقةُ صداقةٍ ومودَّة، بل كانا رحمهما الله كالتوأمين؛ جمع بينهما: وحدةٌ في المشرب والمنزع، ووحدةٌ في المسعى والهدف، وعاشا منذ تعارفا إلى أن فارقا الدُّنيا أخوين متحابين، وصديقين متصافيين، وعديلين متوازيين، لم تستطع الدُّنيا، بكلِّ ما فيها، أن تفسد الحبَّ، أو تعكر الصَّفاء، أو تخل بالتَّوازن.

جمعت بينهما أول مرَّة حلقةٌ علميٌة في رحاب الجامع الأموي ولما يبلغا الحلم، كانت تلك حلقة الشيخ صالح التُّونسي، وكانت حلقة الشيخ صالح -كما يقول الشيخ الطنطاوي- كالمدرسة الجامعة؛ فيها حديث، وفيها قواعد في المصطلح والأصول، وفيها تاريخ وشعر وأدب.. فتعارفا في تلك الحلقة أو المدرسة، واستمرَّت صلتهما الحميمية الصَّافية ورحلتهما المشتركة في الحياة على هدى من ذلك الجوِّ الرُّوحي المشبع بالإخاء والصَّفاء.

ثمَّ صارا عديلين بعد ذلك، إذ إنَّ جدَّ زوجتيهما والد أمهما هو الشيخ بدر الدين الحسني، أكبر علماء الحديث في الشام.

وقد كانت للصَّديقين جلساتٌ خاصَّة للقراءة والمذاكرة، فقد ذكر الطنطاوي أنه قرأ مع الأستاذ الأفغاني كتاب الأغاني، وكانت لهما زيارات مشتركة يقومان بها في دمشق والقاهرة لمفكري وأعلام عصرهما.

واستمرَّت رحلة الصَّديقين الطنطاوي والأفغاني، مع أنَّ لكلِّ منهما أسلوبَه في الحياة وصفاتِه المتميِّزة، وأكنَّ كلٌّ منهما لأخيه حبًّا صافياً، وإعجاباً صادقاً، عبَّر عنه الأستاذ الطنطاوي في كلِّ مناسبة، وفي كلِّ مرحلةٍ من مراحل حياته التي أرَّخها في ذكرياته.

ولقد كان ذِكر الأستاذ الأفغاني في ذكريات الطنطاوي ذكراً مشفوعاً بكلمات الحبِّ والتَّقدير، فهو لا يذكره مرَّة إلا ويصفه بأنَّه الأخ ورفيق العمر، ولا يتحدَّث عن علمه إلا ويعطيه حقَّه، فلقد ذكره في مقدِّمة الطُّلاب الذين نبغوا من طلاب صفِّه، وقال عنه: "إنه مرجع في قواعد اللُّغة العربية نحوِها وصرفِها، وإنَّه.. الذي انتهت إليه الصَّدارة في علم النَّحو في الشَّام".

ولطالما سُمع من الأستاذ الأفغاني ثناؤُه العاطر على صديق (الشيخ علي) -على حد تعبيره- وإعجابه بمواقفه الجريئة، فلقد كانا يصدران عن فكر واحد وينحوان في السُّلوك منحىً واحداًً.

ولما غادر الشيخ الطنطاوي دمشق ليقضي سِنِي عمره الأخيرة في الحجاز بين مكَّة وجدة، حمل الشَّوقُ إليها صديقَه الأستاذ الأفغاني، وغادر دمشق هو أيضًا ليقيم عند ابنته، ويبقى قريباً من رفيق عمره الذي لم تطل به الحياة عقبه، فقد توفي بعده سنتين، رحمه الله.

لقد كانت صداقتُهما رحلةً تستحقُّ التَّأريخ، استمرَّت نحواً من ثمانين سنة، ابتدأت في الجامع الأموي بدمشق، وانتهت في مكَّة المكرَّمة قرب بيت الله الحرام.

وفاته: بعد عودته إلى دمشق منهياً آخر شوطٍ من حياته العلمية في التَّدريس، كان سمعه وبصره قد كلا وضعفا، وظهرت عليه آثارُ الشَّيخوخة وخاصة بعد فقْدِ زوجته.

وكانت ابنتُه الوحيدة المقيمة في المملكة العربية السعودية تتفقَّده خلال العام وتقيم معه صيفاً، فلما أنهى أعماله اصطحبته معها إلى المملكة، حيث أمضى فيها سنواته الأخيرة حتى قضى رحمه الله في ١١ شوال سنة ١٤١٧هـ- ١٨ شباط ١٩٧٧م، عن عمر قارب ثمانية وثمانين سنة، قضى جلَّها في تعليم العربية والذَّود عنها.

تعريف بمؤلَّفاته:

أ- الكتب المؤلَّفة والمحقَّقة:

١- أسواق العرب في الجاهلية والإسلام.

٢- الإجابة فيما استدركته عائشة على الصَّحابة للزركشي.

٣- الإسلام والمرأة.

٤- عائشة والسياسة.

٥- ابن حزم الأندلسي ورسالته في المفاضلة بين الصَّحابة.

٦- سير النُّبلاء للذهبي (جزء خاص بترجمة الإمام ابن حزم الأندلسي) .

٧- سير النَّبلاء للذهبي (جزء مخصوص بأبرز امرأة في تاريخ الإسلام عائشة بنت أبي بكر الصِّديق) .

٨- تاريخ داريَّا للقاضي عبد الجبار الخولاني.

٩- مذكَّرات في قواعد اللغة العربية.

١٠- في أصول النَّحو.

١١- من تاريخ النَّحو.

١٢- الإغراب في جدل الإعراب لابن الأنباري.

١٣- لمع الأدلة لابن الأنباري.

١٤- الإفصاح في شرح أبيات مشكلة الإعراب للحسن بن أسد الفارقي.

١٥- ملخص إبطال القياس والرأي والاستحسان والتَّقليد والتَّعليل للإمام الحافظ ابن حزم الأندلسي.

١٦- من حاضر اللُّغة العربية

١٧- نظراتٌ في اللُّغة عند ابن حزم.

١٨- الموجز في قواعد اللُّغة العربية.

١٩- حجَّة القراءات لأبي زُرعة.

٢٠- مغني اللَّبيب عن كتاب الأعاريب لابن هشام الأنصاري.

ب- البحوث والمقالات والأحاديث الإذاعية:

١- حافظ الإنسان.

٢- من وطنية حافظ وشوقي.

٣- هل في النَّحو مذهب أندلسي؟

٤- الشيخ أحمد النويلاتي والخبازون.

٥- البحتري بين طنجة وأدنبرة.

٦- الشيخ محمد عبده، خواطر عنه.

٧- علمٌ لا سياسة.

٨- درسٌ من الأندلس.

٩- تاريخٌ مفترى.

١٠- معاوية في الأساطير.

١١- الاحتجاج للقراءات.

١٢- تصحيح الأصول.

١٣- البناء على الشَّاهد الأبتر.

١٤- العمل فيما له روايتان من الشَّواهد اللغوية.

١٥- محنةٌ إلى زوال.

١٦- جهود المجمع العلمي الأول في خدمة العربية في الشَّام.

١٧- من قصَّة العامية في الشَّام.

١٨- آخر ساجع في الشَّام.

١٩- من غرائب الأساليب.

٢٠- مع الأخفش الأوسط في كتابه (معاني القرآن) .

٢١- الخط الحديدي الحجازي بين يأس وأمل.

٢٢- لغة الخبر الصحفي.

٢٣- مزاعم الصُّعوبة في لغتنا.

٢٤- ثلاث كلمات للاستعمال العام

. ٢٥- الدكتور حسني سبح والمعهد الطبي العربي.

٢٦- وثيقة وعبرتها، (الأمير شكيب أرسلان والشيخ رشيد رضا) .

٢٧- حياة كلمة.

٢٨- خاطرةٌ من سيرة علي بن أبي طالب.

المرجع: كتاب (سعيد الأفغاني، حامل لواء العربية وأستاذ أساتيذها) ، تأليف: الدكتور مازن المبارك، وهو الكتاب رقم (١٩) في سلسلة: (علماء ومفكرون معاصرون، لمحات من حياتهم وتعريف بمؤلفاتهم) التي تصدرها دار القلم بدمشق، الطبعة الأولى، ١٤٢٣هـ - ٢٠٠٢م.


(*) قال مُعِدّ الكتاب للشاملة: هذا المقال ليس في المطبوع، أضفته هنا للفائدة

<<  <   >  >>