للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

إفراد الله بالحكم الشرعي ومعناه أنه لا يملك حق التشريع أي التحليل والتحريم إلا الله عز وجل، كما قال تعالى: {إِنْ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ} ، وكما دل عليه قوله تعالى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنْ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} ، فجعل المشرعين من المخلوقين في منزلة الشركاء الذين ينازعون الله في ربوبيته.

وإذا تبين معنى توحيد الربوبية والأركان الداخلة في ماهيته، فإن انتفاء أي ركن من هذه الأركان يعد ناقضا من نواقض الإيمان في الربوبية. وهذا ما سوف أقوم بشرحه في المباحث التالية، على أنني سأؤجل الكلام على إنكار البعث إلى باب الغيبيات، والكلام على شرك التشريع إلى باب شرك التحاكم لوجود المناسبة بين هذه المسائل.

المبحث الثاني: شرك التعطيل:

وهذا هو المشار إليه في النظم بقولي: كإنكار وجود الصانع". واعلم أن هذا الشرك، قل من قد وقع فيه قديما وحديثا، لأن الإقرار بوجود رب صانع لهذا الكون، أمر مركوز في الفطر، لا يقدر أحد – كائنا من كان – أن يدفعه عن نفسه. لذلك لم ينسب أهل العقائد، والمصنفون في الملل والنحل، هذا الشرك إلى طائفة معينة من الناس.

وأما وقوع فرعون في هذا الشرك، كما في قوله – فيما حكاه الله عنه في كتابه -: {أَنَا رَبُّكُمْ الْأَعْلَى} وقوله {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} ، فقد كان منه مكابرة، وغلوا في اللجاج والخصام كما دل على ذلك قوله تعالى عنه وعن قومه: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا} ، وما حكاه الله جل ذكره عن موسى إذ يقول لفرعون: {لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَؤُلَاء إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ} .

<<  <   >  >>