للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَمِينُهُ «لَا، وَمُقَلِّبِ الْقُلُوبِ» ، وَسُمِّيَ الْقَلْبُ قَلْبًا لِتَقَلُّبِهِ مِنْ حَالٍ إلَى حَالٍ، وَلَا عِقَابَ عَلَى الْخَوَاطِرِ، وَلَا عَلَى حَدِيثِ النَّفْسِ لِغَلَبَتِهَا عَلَى النَّاسِ، وَلَا عَلَى مَيْلِ الطَّبْعِ إلَى الْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ، إذْ لَا تَكْلِيفَ بِمَا يَشُقُّ اجْتِنَابُهُ مَشَقَّةً فَادِحَةً، وَلَا بِمَا يُطَاقُ فِعْلُهُ وَلَا تَرْكُهُ. وَمَبْدَأُ التَّكْلِيفِ الْعُزُومُ وَالْقُصُودُ، فَالْعَزْمُ عَلَى الْحَسَنَاتِ حَسَنٌ، وَعَلَى السَّيِّئَاتِ قَبِيحٌ، وَعَلَى الْمُبَاحِ مَأْذُونٌ.

[فَصْلٌ فِيمَا يُثَابُ عَلَيْهِ مِنْ الْعُلُومِ]

ِ كُلُّ الْعُلُومِ شَرِيفَةٌ، وَتَخْتَلِفُ رُتَبُ شَرَفِهَا بِاخْتِلَافِ رُتَبِ مُتَعَلِّقَاتِهَا، فَمَا تَعَلَّقَ بِالْإِلَهِ وَأَوْصَافِهِ كَانَ أَشْرَفَ الْعُلُومِ؛ لِأَنَّ مُتَعَلَّقَهُ أَشْرَفُ مِنْ كُلِّ شَرِيفٍ. وَالْعُلُومُ أَقْسَامٌ:

أَحَدُهَا الضَّرُورِيَّاتُ وَلَا ثَوَابَ عَلَيْهَا، لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ كَسْبِ الْعَالِمِ بِهَا.

الثَّانِي النَّظَرِيَّاتُ، وَيُثَابُ الْإِنْسَانُ عَلَيْهَا لِقُدْرَتِهِ عَلَى تَحْصِيلِهَا بِالتَّسَبُّبِ إلَيْهَا.

الثَّالِثُ عُلُومٌ يُمْنَحُهَا الْأَنْبِيَاءُ وَالْأَوْلِيَاءُ بِأَنْ يَخْلُقَهَا اللَّهُ فِيهِمْ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَلَا نَظَرٍ وَهِيَ ضَرْبَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَشْرَفُ مِنْ الْآخَرِ وَهُوَ الْعِلْمُ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِالذَّاتِ وَالصِّفَاتِ وَلَهُ شَرَفٌ عَظِيمٌ وَلَا ثَوَابَ عَلَيْهِ فِي نَفْسِهِ، وَلَا عَلَى الْأَحْوَالِ النَّاشِئَةِ عَنْهُ، فَإِنْ حَدَثَ عَنْهَا أَمْرٌ مُكْتَسَبٌ كَانَ الثَّوَابُ عَلَيْهِ دُونَهَا وَكَفَى بِهِ شَرَفًا فِي نَفْسِهِ وَهِيَ كَالْمَحَامِدِ الَّتِي يَلْتَمِسُهَا الرَّسُولُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بَيْنَ يَدَيْ شَفَاعَتِهِ لِأُمَّتِهِ، فَكَمْ مِنْ شَرَفٍ عَظِيمٍ لَا ثَوَابَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ خَيْرٌ مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>