للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَمْ يُتَصَوَّرْ لَأَنْ يَأْتِيَ بِرَذِيلَةٍ، وَأَنَّهُ يَتَزَيَّنُ لَهُ بِمُلَابَسَةِ كُلِّ فَضِيلَةٍ، فَسُبْحَانَ اللَّهِ مَا جَمَعَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ الْأَدَبِ مَعَ اللَّهِ فِي عِيَادَاتِهِ وَطَاعَاتِهِ.

[فَصْلٌ فِي بَيَانِ الرِّيَاءِ فِي الْعِبَادَاتِ وَأَنْوَاعِ الطَّاعَاتِ]

ِ الرِّيَاءُ إظْهَارُ عَمَلِ الْعِبَادَةِ لِيَنَالَ مُظْهِرُهَا عَرَضًا دُنْيَوِيًّا إمَّا بِجَلْبِ نَفْعٍ دُنْيَوِيٍّ، أَوْ لِدَفْعِ ضَرَرٍ دُنْيَوِيٍّ، أَوْ تَعْظِيمٍ أَوْ إجْلَالٍ، فَمَنْ اقْتَرَنَ بِعِبَادَتِهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ أَبْطَلَهَا لِأَنَّهُ جَعَلَ عِبَادَةَ اللَّهِ وَطَاعَتَهُ وَسِيلَةً إلَى نَيْلِ أَعْرَاضٍ خَسِيسَةٍ دَنِيَّةٍ، فَاسْتَبْدَلَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِاَلَّذِي هُوَ خَيْرٌ، فَهَذَا هُوَ الرِّيَاءُ الْخَالِصُ.

وَأَمَّا رِيَاءُ الشِّرْكِ فَهُوَ أَنْ يَفْعَلَ الْعِبَادَةَ لِأَجْلِ اللَّهِ وَلِأَجْلِ مَا ذُكِرَ مِنْ أَغْرَاضِ الْمُرَائِينَ وَهُوَ مُحْبِطٌ لِلْعَمَلِ أَيْضًا، قَالَ تَعَالَى: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ غَيْرِي تَرَكْته لِشَرِيكِهِ وَفِي رِوَايَةٍ: تَرَكْته لِشَرِيكِي» .

[فَصْلٌ فِي بَيَانِ التَّسْمِيعِ فِي الْعِبَادَاتِ وَأَنْوَاعِ الطَّاعَاتِ]

ِ وَهُوَ ضَرْبَانِ. أَحَدُهُمَا تَسْمِيعُ الصَّادِقِينَ وَهُوَ أَنْ يَعْمَلَ الطَّاعَةَ خَالِصَةً لِلَّهِ، ثُمَّ يُظْهِرُهَا وَيُسْمِعُ النَّاسَ بِهَا لِيُعَظِّمُوهُ وَيُوَقِّرُوهُ وَيَنْفَعُوهُ وَلَا يُؤْذُوهُ. وَهَذَا مُحَرَّمٌ وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: «مَنْ سَمَّعَ سَمَّعَ اللَّهُ بِهِ. وَمَنْ رَاءَى رَاءَى اللَّهُ بِهِ، وَهَذَا تَسْمِيعُ الصَّادِقِينَ» .

الضَّرْبُ الثَّانِي: تَسْمِيعُ الْكَاذِبِينَ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ صَلَّيْت وَلَمْ يُصَلِّ، وَزَكَّيْت وَلَمْ يُزَكِّ، وَصُمْت وَلَمْ يَصُمْ، وَحَجَجْت وَلَمْ يَحُجَّ، وَغَزَوْت وَلَمْ يَغْزُ. فَهَذَا أَشَدُّ ذَنْبًا مِنْ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ زَادَ عَلَى إثْمِ التَّسْمِيعِ إثْمَ الْكَذِبِ، فَأَتَى بِذَلِكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>