للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَنْ يَجْلِدَ فَوْقَ عَشَرَةِ أَسْوَاطٍ إلَّا فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ» ، وَقَدَّرَهَا بَعْضُهُمْ بِمَا نَقَصَ عَنْ أَدْنَى الْحُدُودِ، وَقَدَّرَهَا آخَرُونَ بِغَيْرِ ذَلِكَ. فَإِنْ قِيلَ: يُعَزَّرُ فِي الْيَمِينِ الْغُمُوسِ مَعَ إيجَادِ الْكَفَّارَةِ أَمْ لَا؟ قُلْنَا يُعَزَّرُ لِجُرْأَتِهِ عَلَى رَبِّهِ، وَالْكَفَّارَةُ مَا وَجَبَتْ لِكَوْنِ الْحَالِفِ مُجْتَرِئًا وَإِنَّمَا وَجَبَتْ بِسَبَبِ مُخَالَفَةِ مُوجِبِ الْيَمِينِ وَإِنْ كَانَ مُبَاحًا أَوْ مَنْدُوبًا بِدَلِيلِ أَنَّهَا تَجِبُ حَيْثُ لَا عِصْيَانَ. فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يَزْدَجِرُ الْجَلْدُ الْقَوِيُّ الَّذِي عَمَّ فَسَادُهُ وَعَظُمَ عِنَادُهُ بِعَشَرَةِ أَسْوَاطٍ؟ قُلْنَا: يَضُمُّ إلَيْهِ الْحَبْسَ الطَّوِيلَ الَّذِي يُرْجَى الِازْدِجَارَ بِمِثْلِهِ وَلِلْإِمَامِ صَلْبُهُ مُبَالَغَةً فِي زَجْرِهِ. فَإِنْ قِيلَ مَنْ آذَى مُسْلِمًا بِشَيْءٍ مِنْ ضُرُوبِ الْأَذَى فَقَدْ عَصَى اللَّهَ بِمُخَالَفَتِهِ وَآذَى الْمُسْلِمَ بِانْتِهَاكِ حُرْمَتِهِ، فَإِذَا عَفَا الْمُسْتَحِقُّ عَنْ عُقُوبَةِ ذَلِكَ الْأَذَى أَوْ عَنْ حَدِّهِ فَهَلْ تَسْقُطُ عُقُوبَةُ اللَّهِ فِي مُخَالَفَتِهِ؟ قُلْنَا هَذَا مِمَّا اُخْتُلِفَ فِيهِ. فَمِنْهُمْ مَنْ أَسْقَطَ عُقُوبَتَهُ تَبَعًا لِسُقُوطِ حَقِّ الْآدَمِيِّ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَوْجَبَهَا زَجْرًا عَنْ الْجُرْأَةِ عَلَى انْتِهَاكِ حُرْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى.

وَأَمَّا كَفَّارَةُ قَتْلِ الْخَطَأِ فَوَجَبَتْ جَبْرًا لِمَا فَوَّتَ مِنْ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، كَمَا وَجَبَتْ الدِّيَةُ جَبْرًا لِمَا فَاتَ مِنْ حَقِّ الْعَبْدِ، وَكَذَلِكَ وَجَبَ الْقِصَاصُ فِي قَتْلِ الْعَمْدِ زَجْرًا عَنْ تَفْوِيتِ حَقِّ الْعَبْدِ وَتَحْصِيلًا لِاسْتِمْرَارِ الْحَيَاةِ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} [البقرة: ١٧٩] ، وَالتَّقْدِيرُ وَلَكُمْ فِي خَوْفِ الْقِصَاصِ حَيَاةٌ، فَإِنَّ الْجَانِيَ إذَا عَرَفَ أَنَّهُ يُقْتَلُ إذَا جَنَى خَافَ الْقِصَاصَ فَكَفَّ عَنْ الْقَتْلِ فَاسْتَمَرَّتْ حَيَاتُهُ وَحَيَاةُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ، وَوَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ زَجْرًا عَنْ تَفْوِيتِ حَقِّ الرَّبِّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>