للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَحَدُهَا أَنْ يَكُونَ الْحَقُّ جَارِيَةً اسْتَحَلَّ غَاصِبُهَا بُضْعَهَا فَلَا أَرَى بَأْسًا بِالِاسْتِعَانَةِ بِالْوَالِي وَالْقَاضِي، وَإِنْ عَصَيَا، بَلْ ذَلِكَ وَاجِبٌ عِنْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ مَفْسَدَةَ مَعْصِيَةِ الْوَالِي وَالْقَاضِي دُونَ مَفْسَدَةِ الْغَصْبِ وَالزِّنَا، وَكَذَلِكَ لَوْ غُصِبَ إنْسَانٌ عَلَى زَوْجَتِهِ فَاسْتَعَانَ عَلَى تَخْلِيصِهَا بِالْوَالِي وَالْقَاضِي فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ مَعَ كَوْنِ الْقَاضِي وَالْوَالِي عَاصِيَيْنِ؛ لِأَنَّ مَفْسَدَةَ بَقَائِهَا مَعَ مَنْ يَزْنِي بِهَا أَعْظَمُ مِنْ مَفْسَدَةِ مُسَاعَدَةِ الْوَالِي وَالْقَاضِي بِغَيْرِ حُجَّةٍ شَرْعِيَّةٍ.

وَكَذَلِكَ لَوْ اسْتَعَانَ بِالْآحَادِ وَأَعَانُوهُ بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُ فَإِنَّهُمْ يَأْثَمُونَ بِذَلِكَ وَلَا يَأْثَمُ الْمُسْتَعِينُ بِهِمْ؛ لِأَنَّ مَفْسَدَةَ مُخَالَفَتِهِمْ الشَّرْعَ فِي مِثْلِ هَذَا دُونَ الْمَفْسَدَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ.

الرُّتْبَةُ الثَّانِيَةُ إذَا اسْتَعَانَ بِالْوُلَاةِ أَوْ بِالْقُضَاةِ أَوْ بِالْآحَادِ عَلَى رَدِّ الْمَغْصُوبِ مِنْ غَاصِبِهِ أَوْ الْمَجْحُودِ مِنْ جَاحِدِهِ فَأَعَانُوهُ عَلَى تَخْلِيصِ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ حُجَّةٍ شَرْعِيَّةٍ مِثْلَ أَنْ غَصَبَ إنْسَانٌ دَابَّتَهُ وَثِيَابَهُ وَسِلَاحَهُ وَمَنْزِلَهُ وَمَاعُونَهُ أَوْ جَحَدَهُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ غَصْبٍ فَاسْتَعَانَ بِهِمْ فَأَعَانُوهُ فَإِنَّهُمْ يَأْثَمُونَ عَلَى إعَانَتِهِ بِغَيْرِ حُجَّةٍ شَرْعِيَّةٍ وَلَا إثْمَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَفْسَدَةَ بَقَاءِ ذَلِكَ بِيَدِ لِلْغَاصِبِ وَالْجَاحِدِ أَعْظَمُ مِنْ مَفْسَدَةِ عِصْيَانِهِمْ؛ لِأَنَّ الَّذِي صَدَرَ مِنْهُمْ مُجَرَّدُ مَعْصِيَةٍ لَا مَفْسَدَةً فِيهَا، وَاَلَّذِي صَدَرَ مِنْ الْغَاصِبِ وَالْجَاحِدِ عِصْيَانٌ مَعَ تَحَقُّقِ الْمَفْسَدَةِ، وَقَدْ يَجُوزُ إجَابَةُ الْعَاصِي عَلَى مَعْصِيَتِهِ لَا مِنْ جِهَةِ كَوْنِهَا مَعْصِيَةً بَلْ لِمَا تَضَمَّنَتْهُ الْإِعَانَةُ مِنْ الْمَصْلَحَةِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ فِي فِدَاءِ الْأَسْرَى.

الرُّتْبَةُ الثَّالِثَةُ أَنْ يَكُونَ الْحَقُّ حَقِيرًا كَكِسْرَةٍ أَوْ ثَمَرَةٍ فَهَذَا لَا تَجُوزُ الِاسْتِعَانَةُ عَلَى تَخْلِيصِهِ بِغَيْرِ حُجَّةٍ شَرْعِيَّةٍ؛ لِأَنَّ مَعْصِيَةَ مَفْسَدَةِ الْمُسَاعِدِ عَلَيْهِ تَرْبَى عَلَى مَفْسَدَةِ فَوَاتِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>