للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المبحث الثالث

٣ - طريقة الرسل في إثبات توحيد الألوهية والعبادة

لم يدع الأنبياء أممهم إلى الإيمان بما جاءوا به من الشرائع دون بينة أو برهان يكون شاهد صدق على إثبات أن ما دعوهم إليه وحي من الله وشرعه الذي ارتضاه لعباده دينا، ولم يلزموهم بذلك دون إقناع تقوم به الحجة ويسقط به العذر، بل تحدى كل رسول أمته بما آتاه الله من الآيات البينات، والمعجزات الباهرات التي يخضع لها العقل السليم، وتتصاغر أمامها قوى الشر، وطلب منهم أن يأتوا بمثل ما ظهر على يده من خوارق العادات -وأنى لهم ذلك وهو من اختصاص واهب القوى والقدر- فلما عجزوا عنه كان دليلا واضحا على صدقهم في دعوى الرسالة، وأن ما جاءوا به شرع الله ودينه الحق.

فإن لله سبحانه من كمال الحكمة والعدالة وسعة الرحمة والجود وسابغ الكرم والإحسان ما يمتنع معه أن يؤيد متنبئا كذابا يخدع العباد ويفسد عليهم أمر دينهم ودنياهم؛ بل يستحيل في حكمه وعدله أن يبقى عليه أو يهمله؛ لما في ذلك من التلبيس والتضليل وفساد الكون وتخريبه، وهو شر محض، والشر ليس إليه سبحانه، ففي الحديث: «الخير كله بيديك والشر ليس إليك» .

وقد بين سبحانه أنه بالمرصاد لمن افترى عليه كذبا، أو قال أوحي إلي ولم يوح إليه شيء، فقال تعالى: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ} .

وإذا أبت حكمة الله وسعة رحمته أن يترك عباده سدى فلا يرسل إليهم

<<  <   >  >>