للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويدبران أمره لأمكن أن يختلفا، بأن يريد أحدهما وجود شيء، ويريد الآخر عدمه، أو يريد أحدهما حركة شيء ويريد سكونه، وعند ذلك إما أن ينفذ مرادهما، وذلك محال لما يلزمه من الجمع بين الضدين، وإما أن لا ينفذ مراد كل منهما، وذلك محال لما يلزمه من رفع النقيضين وعجز كل منهما، وإما أن ينفذ مراد أحدهما دون الآخر، فيكون الذي نفذ مراده هو الرب دون الآخر لعجزه، والعاجز لا يصلح أن يكون ربا.

ولو أن هؤلاء عنوا بتوحيد الإلهية، وصرفوا همتهم إلى بيان تفاصيله، وأجملوا القول في توحيد الربوبية والاستدلال عليه اكتفاء بشهادة الفطرة وإقرار العبادة به، وعلمه بالضرورة، وجعلوا البحث فيه وسيلة إلى توحيد العبادة ودليلا عليه، لكانوا بذلك قد سلكوا طريقة القرآن ومنهج الرسل عليهم الصلاة والسلام.

انتظام العالم علوه وسفله يثبت لله صفات الكمال التي تليق به

وقصارى القول أن انتظام العالم علوه وسفله، وإحكام صنعه وحسن تنسيقه وشدة الأسر، وقوة التماسك بين أجزائه ووحداته دليل واضح على تفرد الله -سبحانه- بالربوبية ووحدانية أفعاله، وبرهان قاطع على إثبات ما أثبته لنفسه من كمال الأسماء والصفات، أو أثبته له الرسل عليهم الصلاة والسلام من ذلك إثباتا صريحا مفصلا، لم يدع مجالا للشك أو التأويل ولا سبيلا إلى الريب أو التعطيل، فزالت به الشبهة وحصل به اليقين.

وعلى ذلك اجتمعت شهادة الفطرة والعقل الصريح والنقل الصحيح وصدق كل منهما الآخر.

وقد ذكر ابن القيم في مدارج السالكين هذين الطريقتين:

الطريق الأول: الوحي والخبر.

<<  <   >  >>