للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والثاني أنه يقتضي التسوية في كراهية اللفظ بين قوله زرت القبر وقوله وزرت النبي صلى الله عليه وسلم وجواب القاضي يقتضي الفرق بينهما.

قلت: هذا الذي قال أبو عمران المالكي لم يتابع عليه، بل هو متضمن للغلو والكلام بغير حجة، ولم يذهب أحد من أهل العلم المتقدمين منهم والمتأخرين إلى القول بوجوب الزيارة، وإنما كره مالك والله أعلم إطلاق هذا اللفظ لأنه لم يثبت عنده فيه حديث، ولم يصح فيه عنده خبر بخصوص، وقد ذكرنا الأحاديث المروية في ذلك وبينا عللها وسبب ضعفها وعدم ثبوتها، ولأن هذا اللفظ قد صار يستعمل في عرف كثير من الناس في الزيارة الشرعية، ولأن زيارة قبره لا يتمكن منها أحد كما يتمكن من الزيارة المعروفة عند قبر غيره.

قال الشيخ رحمه الله تعالى في كتاب اقتضاء الصراط المستقيم (١) بعد أن ذكر قول مالك وما تأوله القاضي عياض به قلت: غلب في عرف كثير من الناس استعمال لفظ زرنا في زيارة قبور الأنبياء والصالحين على استعمال لفظ زيارة القبور في الزيارة البدعية الشركية، لا في الزيارة الشرعية، ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث واحد في زيارة قبر مخصوص، ولا روى أحد في ذلك شيئاً لا أهل الصحاح، ولا أهل السنن، ولا الأئمة المصنفون في المسند كالإمام أحمد وغيره.

وإنما روى ذلك من جمع الموضوع وغيره، وأجل حديث روي في ذلك حديث رواه الدارقطني (٢) وهو ضعيف باتفاق أهل العلم، بل الأحاديث المروية في زيارة قبره كقوله ((من زارني وزار أبي إبراهيم الخليل في عام واحد ضمنت له على الله الجنة)) و ((من زارني بعد مماتي فكأنما زارني في حياتي، ومن حج ولم يزرني فقد جفاني)) (٣) ونحو هذه الأحاديث كلها مكذوبة وموضوعة، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم رخص في زيارة القبور مطلقاً بعد أن كان قد نهى عنها، كما ثبت عنه في الصحيح أنه قال: ((كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها)) (٤) وفي الصحيح عنه أنه قال: ((استأذنت ربي في أن استغفر لأمي، فلم يأذن


(١) ٢/٧٦٣ - ٧٦٤ التي حققها الدكتور العقل.
(٢) قال النووي في المجموع ٨/٤٨١ وهذا باطل ليس هو مروياً عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولا يعرف في كتاب صحيح ولا ضعيف بل وضعه بعض الفجرة أهـ وقد تقدم هذا.
(٣) انظر المقاصد الحسنة ص٤٢٧-٤٢٨ وكشف الخفاء ٢/٣٤٦، ٣٤٧،٣٤٨ والفوائد المجموعة ١١٧-١١٨.
(٤) تقدم تخريجه.

<<  <   >  >>