للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كما ترى كثيراً من المشاهدة لزيارتها يوم معين كالعيد وزيارة قبره صلى الله عليه وسلم ليس لها يوم بعينه بل أي يوم كان، ويحتمل أيضاً أن يراد أن يجعل كالعبد في العكوف عليه وإظهار الزينة والاجتماع وغير ذلك مما يجعل في الأعياد، بل لا يؤتى إلا للزيارة والسلام والدعاء، ثم ينصرف عنه، والله أعلم بمراد نبيه، انتهى ما ذكره.

والجواب أن يقال: هذا الحديث الذي رواه أبو داود هو حديث حسن جيد الإسناد وله شواهد كثيرة يرتقي بها إلى درجة الصحة، وقد ذكرناه مع شواهد فيما تقدم، والمعترض قد اعترف بأن الأقرب ثبوته لكنه لم يقل بموجبه ومقتضاه، بل سلط عليه التحريف والتأويل المستنكر المردود، فأما ما حكاه عن عبد العظيم المنذري في تأويله فهو من أظهر الأشياء بطلاناً، بل هو مناقض لمقصود الحديث ومخالف له، وآخر الحديث يبطله وهو قوله صلوا علي حيثما كنتم، والتأويل الثاني باطل أيضاً، والثالث: متضمن للحق وغيره.

وقد قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى في كتاب اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم (١) ، بعد أن ذكر هذا الحديث وقواه وذكر شواهده قال: ووجه الدلالة أن قبر رسول اله صلى الله عليه وسلم أفضل قبر على وجه الأرض، وقد نهى عن اتخاذه عيداً فقبر غيره أولى بالنهي كائناً من كان ثم أنه قرن ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم: ((لا تتخذوا بيوتكم قبوراً)) (٢) ، أي لا تعطلوها من الصلاة فيها والدعاء والقراءة فتكون بمنزلة القبور، فأمر يتحرى العبادة في البيوت، ونهى عن تحريها عند القبور عكس ما يفعله المشركون من النصارى، ومن تشبه بهم.

ثم أنه صلى الله عليه وسلم أعقب النهي عن اتخاذها عيداً بقوله: وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم، وفي الحديث فإن تسليمكم يبلغني أينما كنتم يشير بذلك صلى الله عليه وسلم إلى أن ما ينالني منكم من الصلاة والسلام يحصل مع قربكم من قبري وبعدكم منه، فلا حاجة بكم إلى اتخاذه عيداً.

ثم إن أفضل التابعين من أهل بيته علي بن الحسين رضي الله عنهما نهى ذلك الرجل أن يتحرى الدعاء عند قبره صلى الله عليه وسلم، واستدل بالحديث، وهو راوي الحديث الذي سمعه من أبيه الحسين عن جده علي، وأعلم بمعناه من غيره، فبين أن قصده للدعاء


(١) ص٣٢٣.
(٢) أخرجه أبو داود رقم ٢٠٤٢ وأحمد ٢/٣٦٧ وقد تقدم مراراً.

<<  <   >  >>