للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وخلق الجان من مارج من نار.

فكيف وقد ثبت بالكتاب والسنة وإجماع السلف - الذي لا يعلم فيه نزاع - أن الله لَمَّا خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام وكان عرشه على الماء قبل ذلك، فكان العرش موجودا قبل ذلك، وكان الماء موجودا قبل ذلك.

وقد ثبت في صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:

(إن الله قدر مَقَادِيرَ الْخَلَائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، وكان عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ) (١)

وقد أخبر سبحانه أنه (اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ) (٢)

وثبت عن غير واحد من الصحابة والتابعين وغيرهم من علماء المسلمين أنه خلق السماء من بخار الماء، ونحوُ ذلك من النقول التي يُصَدِّقُها ما يُخبِرُ به أهلُ الكتاب عن التوراة، وما عندَهم من العلم الموروث عن الأنبياء، وشهادةُ أهلِ الكتاب الموافقةِ لما في القرآن أو السنة مقبولة، كما في قوله تعالى: (قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ) (٣)

ونظائر ذلك في القرآن.

وهذا الموضع أخطأ فيه طائفتان:

طائفة من أهل الكلام من اليهود والمسلمين وغيرهم، ظنوا أن إخبار الله بخلقه للسماوات والأرض وما بينهما يقتضى أنهما لم يُخلَقا من شيء، بل لم يكن قبلهما موجود إلا الله.

ومعلوم أنَّ خبر الله مخالف لذلك، والله قد أخبر أنه خلق الإنسان والجان من مادة ذكرها، والذين يثبتون الجوهر الفرد من هؤلاء وغيرهم يعتقدون أنَّ خَلْقَ الإنسانِ وغيرِه مما يخلقه


(١) رواه مسلم/كتاب القدر/باب (٢) حجاج آدم وموسى عليهما السلام/ حديث رقم (٢٦٥٣)
(٢) فصلت/١١
(٣) الرعد/٤٣

<<  <   >  >>