للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والمجرور في قولنا: الإكراه بحق ليس معناه أن يكون المكره به حقًا؛ بل أن يكون الإكراه نفسه حقًا، ولا يكون الإكراه حقًا إلا على حق كإكراه القاضي المفلس على بيع ماله عند من يرى ذلك وهو الرافعي والنووي، أما الشيخ الإمام فعنده أن القاضي يتولى البيع بنفسه، فليصور في غير ذلك. واعلم أن ما جزم به الرافعي من أن الإكراه بالقصاص ليس بإكراه فيه نظر. والذي ينبغي أن يكون هنا إكراهًا.

التنبيه السادس:

قد تقدم الكلام على المستنى من قولهم، "الإكراه يسقط أثر التصرف" في أوائل الكتاب، ومن هنا يتحقق الجواب عن سبب ما استثنى.

أصل:

اتفق أئمتنا على امتناع مقدورين قادرين خالفين أو مكتسبين -أما بين قادرين- خالق ومكتسب فلا يمتنع.

ووافقهم أبو الحسن البصري من المعتزلة١، وأطبقت المعتزلة سواء على جواز ذلك وعليه أكثر الحنفية، وهي من آثار مسألة خلق الأفعال.

وقد تخرج عليه مسألة فقهية تعاكس فيه التخريج وهي قطع الأيدي باليد الواحدة؛ فمن منع ذلك. وهم الحنفية- قالوا: كل واحد من الفاعلين فاعل بمقدور نفسه فيختص كل منهم بالقطع الذي مقدوره دون مقدور صاحبه، فكان قطع كل جزء قطعًا على سبيل الانفراد؛ فلم يكن قطعًا لليد بكمالها -فكيف تقطع يده [في] ٢ مقابلها.

فيقال للحنفية: هذا كلام من يمنع مقدورين "بين" قادرين وأثرًا عن [مأثورين] ٣ وأنتم لا تمنعونه، فلم يكن اللائق بكم القول بذلك.

وإذا قيل لهم هذا. قالوا هم: "معاشر الشافعية أنتم تمنعون مقدورًا بين


١ هو الحسين بن علي بن إبراهيم أبو عبد الله البصري الحنفي المعتزلي كان مقدمًا في الفقه والكلام، ولد سنة ثلاث وتسعين ومائتين "هـ" وقيل سنة ثمان وثمانين وصنف التصانيف الكثيرة منها المعرفة، والرد على ابن الراوندي وغير ذلك وتوفي يوم الجمعة لليلتين خلتا من ذي الحجة سنة تسع وستين وستمائة هـ.
- تاريخ بغداد ٨/ ٧٣، شذرات الذهب ٣/ ٦٨، الفوائد البهية ص ٣١.
٢ سقط في "ب".
٣ في "ب" مؤثرين.