للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

واختلف في مجيئها للتبعيض، فأثبته ابن مالك، ونفاه غيره. وعلى الإثبات يتوجه قول من أخذ الاجتزاء بأقل ما ينطق عليه الاسم من مسح الرأس من قوله تعالى: {برؤوسكم} ١ ومن ثم قيل إنه قول الشافعي رضي الله عنه، والصواب أن الشافعي لم يأخذ من حرف الباء ولكن من غيره كما قرر في مكانه.

وترد الباء للسببية ومنه {إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ} ٢ ومثل به ابن مالك لباء التعليل، وجعل باء العلة غير باء السببية. وقدمنا الكلام عليه في مباحث العلل من أصول الديانات ولا يخفي أنه أنه إذا اختلفت محاملها حملت عند القرينة على ما دلت عليه القرينة، فإن لم تدل على شيء فليس إلا الإلصاق؛ فإنه القدر المشترك ومن ثم يضرب النظر إذا تعاوضت القرائن؛ وذلك فيما إذا قال طلقتك بدينار على أن لي عليك الرجعة، فقوله بدينار قرينة أنه خلع، وأن الباء [للعوضية] ٣ لكن يدرأ هذه القرينة اشتراطه الرجعة ولا رجعة في البينونة؛ فاحتمل أن يجعل آخر الكلام دافعًا لأوله ويتساقطان، ويبقى قوله طلقتك فيقع الطلاق وتثبت الرجعة لا لكونه اشترطها؛ بل لأن الواقع طلاق غير بائن، وهو الصحيح في المسألة ومنقول المزني والربيع عن النص. أعني وقوعه رجعيًا ولا مال، ويمكن أن يقال حذف قوله بدينار عن درجة الاعتبار، أو حذفت الباء عن معنى العوضية وحملت على السببية.

واعلم أن معنى السببية أعم من معنى العوضية، فبعتك بدرهم معناه بسبب درهم أخذته مقابله، ومن ثم قال بعض النحويين باء العوض هي باء السبب وهو الصحيح؛ فإذا انتفى خصوص العوض لم يبعد بقاء عموم السبب فيحمل على عموم السببقية أو غيرها. والحاصل انتفاء باء العوض هنا لما دلت القرينة اللفظية عليه وهي اشتراط الرجعة واحتمل أن لا تحذف الباء عن درجة الاعتبار، ولا اشتراط الرجعة، ولا يخفي أن المصير إلى هذا لو تم أوجه؛ لأن الأعمال خير من الإهمال. وكيف السبيل إلى ذلك.

ويحتمل أن يقال دلت الباء على أن الطلاق ليس مجانًا، ولكنه بعوض.

غير أن خصوص الدينار منفي، لكونه أوقفه على شرط لا يحصل معه، ودل الشرط على أنه لايكون إلا عند حصول الدينار فإذا انتفى الدينار ولم يكن شرطًا، وبقي أصل العوض، فيرجع إلى مهر المثل ويقع بيانه، وكان هذا خلع بشرط فاسد، فألغي


١ سورة المائدة آية: ٦.
٢ سورة البقرة آية: ٥٤.
٣ في "ب" للعوض.