للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والتخلي للعبادة حتى لا ينشغل المسلم بتكاليفها عن طاعة الله تعالى، والتحقق بالعبودية له -عزَّ وجلَّ- مثل ما ورد من رواية: "خيركم في المائتين الخفيف الحاذ الذي لا أهل له ولا ولد"، ومثل ما ورد عن طريق حذيفة أنه قال: "إذا كان سنة خمس ومائة فلأن يربي أحدكم جرو كلب خير من أن يربي ولدًا".

وقد قال ابن حزم -رحمه الله- عقب إيراده لهذين الخبرين: "هذان خبران موضوعان؛ لأنهما من رواية أبي عاصم روّاد بن الجراح العسقلاني وهو منكر الحديث لا يحتج به١، وبيان وضعهما: أنه لو استعمل الناس ما فيهما من ترك النسل لبطل الإسلام والجهاد وغلب أهل الكفر، مع ما فيه من إباحة تربية الكلاب، فظهر فساد كذب رواد بلا شك"٣.

والنصوص الشرعية تؤيد رأي الجمهور بأفضلية النكاح على التخلي للعبادة, وقد سبقت الإشارة إلى بعضها.

ويضاف إلى ما تقدَّم: أن النكاح فعله رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وواظب عليه مدة حياته, وفي هذا المعنى يقول ابن الهمام: "ولم يكن الله -عز وجل- يرضى لأشرف أنبيائه إلّا بأشرف الأحوال، وكان حاله إلى الوفاة النكاح، فيستحيل أن يقرَّه على ترك الأفضل مدة حياته"٣.


١ المحلى لابن حزم جـ٩/ ٤٤٠، ٤٤١.
٢ بالغ أبو محمد بن حزم -رحمه الله- في نقد رواد كعادته، والرجل ضعيف الحديث، له مناكير, ولم يكن يكذب إلّا إن قصد ابن حزم بيان الحال وليس تعمُّد الكذب، وانظر تهذيب الكمال "٩/ ٢٢٩" -ترجمة رواد- والخبران موضوعان بلا ريب.
٣ فتح القدير جـ٣/ ١٠٣.

<<  <   >  >>