للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[تمهيد]

الحالة الثقافية والأدبية قبل العصر الحديث.

كانت القرون الثلاثة التي سيطر فيها الحكم التركي على مصر، قد عملت عملها في إغماض العيون، وتكبيل العقول، وعقل الإرادات، وعقد الألسنة. فقد فرض الأتراك على البلاد نوعا من الاحتلال هو في حقيقته محاولة لقتل البلاد ماديًا وأدبيًا، وذلك أن احتلالهم قد عمل على امتصاص كل خيرات الشعب، ومصادرة جميع موارده، وسجن أروع قدراته، وتعويق أعظم ملكاته. وفي سبيل تنفيذ ذلك قد نقل الأتراك من مصر -أول احتلالهم- كثيرًا من العلماء والفنانين، وعديدًا من الكتب والنفائس١، ثم تركوا الدواوين، وجعلوا أهم الرياسات والأعمال الإدارية في أيدي الأترك، وأذنابهم من المماليك، ثم أكثروا من فرض الضرائب، وأهملوا كل إصلاح، ولم يوجهوا أية رعاية إلى التعليم، حتى لقد أغلقت المدارس بل هدمت وانتبهت٢، وكانت النتيجة أن انطفأت شعلة الحياة العلمية في البلاد، إلا وميضًا ينبعث من الأزهر، الذي ظل الملاذ لما بقي من علوم الدين واللغة، وإن كان يعاني في تلك الآونة كثيرًا من الجمود، ككل مظاهر الحية في ذلك العهد المظلم٣.. كذلك تعطلت الحركة الأدبية بل تحجرت، وانحرفت اللغة العربية بل فسدت، فكثر فيها التركي


١ انظر: بدائع الزهور لابن إياس، وتاريخ الحركة القومية لعبد الرحمن الرافعي جـ١ ص٤٢-٤٣.
٢ انظر: تاريخ الحركة القومية للرافعي جـ١، والخطط التوفيقية لعلي مبارك جـ١ ص٨٧.
٣ كانت قد نسيت العلوم الرياضية والطبيعية والعقلية، بل أهمل كل تطوير أو ابتكار في الدراسات اللغوية والشرعية، وأصبح كل النشاط ترديدًا للقديم البالي، ومحاولة من البعض لعلم حواشي وتقريرات، كما فعل الصبان في حاشيته على الأشموني، والزبيدي في تاج العروس.

<<  <   >  >>