للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٢- النثر:

أما النثر فقد كان معظمه كالشعر في عمومه، من حيث التقليدية المتخلفة، فهو غالبًا يعبر عن موضوعات ساذجة، ويتقوقع في الرسائل والمقامات ونحوها، من الأنواع التقليدية، ثم هو يتستر بالمحسنات، ولا يسلم كثيرًا من التهافت.

ومن أمثلة ذلك قول الشيخ علي الدرويش من رسالة يهدد فيها أحد الشعراء بالهجاء:

"وإني نصحتك نصيحة الشفيق، لعلك من الغي تفيق، فإن رجعت نجوب بالهرب، وإلا فوحق من أخلاك من الأدب، وجعل شعرك ضحكة للعجم والعرب، أعمل فيك دقيقة من صناعة الآداب، ما جاء بها أحد على ممر الأحقاب، وما سمعها سامع إلا وحفظها، ولا نظرها ناظر إلا ولحظها، فإن حفظت عرضك فيها، وإلا فأنا لها"١.

ومنه أيضًا -وإن كنا أقرب نوعًا إلى الفن- قول الشيخ حسن العطار في رسالة:

"أما بعد فإن أحسن وشي رقمته الأقلام، وأبهى زهر تفتحت عنه الأكمام، عاطر سلام يفوح بعبير المحبة نفحه، ويشرق في سماء الطروس صبحه.

سلام كزهر الروض أو نفحة الصبا ... أو الراح تجلى في يد الرشأ الألمي

سلام عاطر الأردان، تحمله الصبا سارية على الرند والبان، إلى مقام حضرة المخلص الوداد، الذي هو عندي بمنزلة العين والفؤاد، صاحب الأخلاق الحميدة، حلية الزمان الذي حلى به معصمه وجيده"٢.

على أن بعض النثر قد خطا خطوة أبعد من تلك الأغراض الساذجة، كما تحرر بعض الشيء من التهافت والمحسنات، وأصبح يحمل زادًا فكريا حينًا، وتجارب إنسانية حينًا آخر، ويحاول أن يأخذ شكلًا جديدًا غير شكل الرسالة


١ أعلام من الشرق والغرب لمحمد عبد الغني ص٦٤.
٢ إنشاء العطار ص١٢.

<<  <   >  >>