للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المبحث الخامس: كتابة الحديث]

الكتابة عند العرب قبيل الإسلام:

الخط مظهر من مظاهر التحضر، وأثر من آثار الاجتماع والتمدن، لذا سبق إليه الأمم المتمدنة، وكان أبعد الناس منه الأمم البادية.

والعرب لما كانوا قوما بدويين، كانوا بطبيعة الحال أميين لا يقرءون، ولا يكتبون، اللهم إلا في الجهات التي عرفتها الحضارة من جزيرتهم كاليمن، فقد كان أهل هذه البلاد يخطون، وكان خطهم يسمى بالخط المسند. على أنه لم تكن الكتابة عندهم بالشيء الذائع، يتناوله جميع الأفراد، بل كان ذلك في الخاصة منهم. ومن اليمن انتقل الخط إلى الحيرة، والأنبار لما كان من الارتباط بين ملوك الإقليمين. وكانوا يسمون خطهم بخط الجزم؛ لأنه اقتطع من المسند الحميري. ومن الحيرة انتقل الخط إلى مكة، نقله حرب بن أمية، وكان رجلا سفارا، ومن عهده بدأ الخط بمكة، فتعلمه بعض رجال قريش. هذه هي الجهات الثلاث، التي وجدت بها الكتابة الخطية على أنها، كما قلنا لم تكن بالشيء الذائع المتداول. أما بادية العرب، فلم تكن تخط بل كانت ترى الخط وصمة عار، وسمة عيب كما هو شأنها في سائر الصناعات المدنية.

هذا وكأن الله تعالى أذن بنقل الكتابة من الحيرة إلى مكة، قبيل الإسلام لتكون فيما بعد عاملا من عوامل حفظ القرآن الكريم، والسنة النبوية الشريفة، ثم إنه لم تكن الكتابة منتشرة بين العرب، بل كانت منحصرة في أفراد قليلين، مما يجعل الحكم على الأمة العربية بأنها

<<  <   >  >>