للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الله -صلى الله عليه وسلم- ولأبي عبيدة بن الجراح: "عليكما ١ " يريد طلحة وقد نزف، فأصلحنا من شأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم أتينا طلحة في بعض تلك الحفار، فإذا فيه بضع وسبعون أو أقل أو أكثر بين طعنة وضربة ورمية، وإذا قد قطعت أصبعه، فأصلحنا من شأنه. أخرجه صاحب الصفوة، وأخرج أبو حاتم معناه ولفظه: قال: قال أبو بكر: لما صرف الناس يوم أحد عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كنت أول من جاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فجعلت أنظر إلى رجل بين يديه يقاتل عنه ويحميه، فجعلت أقول: كن طلحة فداك أبي وأمي, مرتين؛ ثم نظرت إلى رجل خلفي كأنه طائر، فلم أنشب أن أدركني، فإذا أبو عبيدة بن الجراح فدفعنا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وإذا طلحة بين يديه صريع؛ فقال النبي -صلى الله عليه وسلم: "دونكم أخاكم" فأهويت إلى ما رمي به في جبهته ووجنته لأنزعه؛ قال لي أبو عبيدة: نشدتك الله يا أبا بكر إلا تركتني. قال: فتركته، فأخذ أبو عبيدة السهم بفمه فجعل ينضنضه، ويكره أن يؤذي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم استله بفمه؛ ثم أهويت إلى السهم الذي في وجنته لأنزعه؛ فقال أبو عبيدة: نشدتك بالله يا أبا بكر إلا تركتني. فأخذ السهم بفمه، وجعل ينضنضه، ويكره أن يؤذي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم استله؛ وكان طلحة أشد


١ أي: ارمياه بما يصلح شأنه، وتلك العناية بطلحة منه -صلى الله عليه وسلم- دليل رحمته -صلى الله عليه وسلم- ووفائه وحسن صنيعه وتقديره، وصدق الله العظيم إذ قال لصلاح المجتمع، وحسن حال الفرد: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} .
والدنيا اليوم في حاجة ملحة إلى الاقتداء به -صلى الله عليه وسلم- في هذين الخلقين العظيمين: الرحمة والوفاء، وهما من أظهر شعب الإيمان وصفات المؤمنين, قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى" رواه الإمام أحمد ومسلم عن النعمان بن بشير -رضي الله عنهما- والوفاء من حسن العهد، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "إن حسن العهد من الإيمان" رواه الحاكم في مستدركه عن عائشة -رضي الله عنها.

<<  <  ج: ص:  >  >>