للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال أبو الفتح: أما "دُرِسَتْ" ففيه ضمير الآيات، معناه: وليقولوا درستَها أنت يا محمد، كالقراءة العامة "دراسْتَ"١.

ويجوز أن يكون "دُرِسَتْ" أي: عفت وتنوسيت؛ لقراءة ابن مسعود: "دَرَسْن" أي: عفون، فيكون كقوله: {إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ} ٢، ونحو ذلك.

وأما "دَرَس" ففيه ضمير النبي -صلى الله عليه وسلم- وشاهد هذا: دارسْتَ؛ أي: فإذا جئتهم بهذه القصص والأنباء قالوا: شيء قرأه أو قارأه فأَتى به، وليس من عند الله؛ أي: يفعل هذا بهم لتقوى أثرة التكليف عليهم زيادة في الابتلاء لهم؛ كالحج والغزو وتكليف المشاق المستحق عليها الثواب، وإن شئت كان معناه فإذا هم يقولون كذا، كقوله: {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا} ٣ أي: فإذا هو عدو لهم.

ومن ذلك قراءة الحسن وأبي رجاء وقتادة وسلام٤ يعقوب وعبد الله بن يزيد: {فَيَسُبُّوا اللَّهَ عُدُوًّا} ٥، ورُوي عنهم أيضًا: "بَغْيًا وعُدُوًّا"٦.

قال أبو الفتح: العَدْوُ والعُدُوُّ جميعًا: الظلم والتعدي للحق، ومثلهما العدوان والعداء، قال الراعي:

كتبوا الدُّهَيْمَ على العَداء لمسرِف ... عادٍ يريدُ خيانةً وغُلُولا٧

ومثله الاعتداء، قال أبو نُخَيْلَة:

ويعتدى ويعتدى ويعتدى ... وهو بعين الأسد المسوَّد


١ في البحر ٤/ ١٩٧: وقرأ ابن كثير وأبو عمرو: "دارسْتَ" أي: دراست يا محمد غيرك في هذه الأشياء.
٢ سورة الأنعام: ٢٥.
٣ سورة القصص: ٨.
٤ هو سلام بن سليمان الطويل أبو المنذر المزني مولاهم، البصري ثم الكوفي، ثقة جليل ومقرئ كبير. أخذ القراءة عرضًا عن عاصم بن أبي النجود وأبي عمرو بن العلاء وعاصم الجحدري وغيرهم. وقرأ عليه يعقوب الحضرمي وغيره. ومات سنة ١٧١. طبقات القراء: ١/ ٣٠٩.
٥ سورة الأنعام: ١٠٨.
٦ سورة يونس: ٩٠.
٧ رُوي: "كتب" مكان "كتبوا"، و"من" مكان "على"، و"مخانة" مكان "خيانة"، الدهيم: تضربها العرب مثلًا في الشر والداهية. الجمهرة: ٣٥٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>