للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في أرَقت: هَرقت، وأردت: هَردت، وأرحت الدابة: هرحت، وأَنرت الثوب: هنرت١، قال:

فهِياك والأمرَ الذي إن توسَّعَتْ ... موارده ضاقت عليك مصادره٢

وقرأ عمرو بن فايد٣: "إِيَاكَ نَعْبُدُ وَإِيَاكَ نَسْتَعِينُ" بتخفيف الياء فيهما جميعًا، فوزن إيا على هذا فِعَل كرِضًا وحِجًا وحِمًى، ونظيره: أيَا الشمس، قال طرَفة:

سقته إياةُ الشمس إلا لِثَاتِه ... أُسِفَّ ولم تكدِمْ عليه بإثمِدِ٤

ويقال فيه: أَيَاءُ الشمس بالفتح والمد، قال ذو الرمة:

تَنازَعها لونان ورد وحُوُّةٌ ... ترى لأَيَاءِ الشمس فيه تحدُّرا٥

وإِيًا فِعَل، وأَيَاء فَعَال، وكلاهما من لفظ الآية ومعناها، وهي: العلامة، وذلك أن ضوء الشمس إذا ظهر عُلم أن جرمها على وجه الأرض.

وحدثنا أبو بكر محمد بن علي قال: كان أبو إسحاق يقول في قول الله سبحانه: "إياك نعبد" أي: حقيقتك نعبد، وكان يشتقه من الآية وهي العلامة، وهذا يجيء ويسوغ على رأي أبي إسحاق؛ لأنه كان يعتقد في "إيَّاك" أنه اسم خُص به المضمر، فأما٦ على قول الكافة فاشتقاقه فاسد؛ لأن "إيَّاك" اسم مضمر، والأسماء المضمرة لا اشتقاق في شيء منها، وينبغي أن يكون عمرو بن فايد إنما قرأ "إِيَاكَ" بالتخفيف؛ لأنه كره اجتماع التضعيف مع ثقل الياءين والهمزة والكسرة، ولا ينبغي أن يحمل "إيَاك" بالتخفيف على أنها لغة، وذلك أنا لم نرَ لذلك أثرًا في اللغة ولا رسمًا ولا مرَّ بنا في نثر ولا نظم. نعم، ومن لم يُخْلِد مع ثقته إلى نظر يُعْصم به ويتساند إليه بأمانته، أُتي من قبل نفسه من حيث يظن أنه ينظر لها، وكان ما دهاه في ذلك من أجل فقاهته لا أمانته.

وإذا جاز أن تخفف الحروف الثقال مع كونها صحاحًا وخفافًا؛ فتخفيف الضعيف الثقيل


١ نرت الثوب أنبره من باب باع، وأنرته ونيرته بالتضعيف: جعلت له علمًا، ويقال للعلم: النير بالكسر.
٢ لمضرس بن ربعي، أو طفل الغنوي. ويروى "المصادر" مكان مصادره. شرح شواهد الشافية: ٤٧٦.
٣ هو أبو علي الأسواري البصري، روى عنه الحروف حسان بن محمد الضرير وبكر بن نصر العطار. طبقات القراء لابن الجزري: ١/ ٦٠٢.
٤ إياة الشمس: ضوؤها، أُسف: ذر عليه، الإثمد: الكحل. ديوان طرفة: ٣٣.
٥ الحوة بالضم: سواد إلى الخضرة، أو حمرة إلى السواد، حوي كرضي، ولم أعثر على البيت في ديوان ذي الرمة.
٦ في ك: وأما.

<<  <  ج: ص:  >  >>