للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال أبو الفتح: المحتظر هنا مصدر، أي: كهشيم الاحتظار، كقولك: كآجر البناء وخشب النجارة. والاحتظار: أن يجعل حظيرة. وإن شئت جعلت "المحتظر" هنا هو الشجر، أي: كهشير الشجر المتخذة منها الحظيرة، أي: كما يتهافت من الشجر المجعولة حظيرة والهشيم: ما تهثم منه، وانتشر.

ومن ذلك قراءة أبي السمال: "إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ١"، بالرفع.

قال أبو الفتح: الرفع هنا أقوى من النصب، وإن كانت الجماعة على النصب؛ وذلك أنه من مواضع الابتداء، فهو كقولك: زيد ضربته، وهو مذهب صاحب الكتاب٢ والجماعة. وذلك لأنها جملة٣ وقعت في الأصل خبرا عن مبتدأ في قولك: نحن كل شيء حلقناه بقدر، فهو كقولك: هند زيد ضربها، ثم تدخل إن، فتنصب الاسم، وبقي الخبر على تركيبه الذي كان عليه من كونه جملة من مبتدأ وخبر.

واختار محمد بن يزيد هنا النصب، وقال: لأن تقديره إنا فعلنا كذا، وقال: فالفعل منتظر بعد إنا، فلما دل ما قبله عليه حسن إضمار. وليس هذا شيئا؛ لأن أصل خبر المبتدأ أن يكون اسما لا فعلا، جزءا منفردا. فما معنى توقع الفعل هنا، وخبر إن وأخواتها كأخبار المبتدأ؟ وعليه قول الله سبحانه: {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ ٤} ، فهذه الجملة التي هي وجوههم مسودة في موضع المفعول الثاني لرأيت، وهو في الأصل خبر المبتدأ. وقد ذكرنا هذا في غير موضع من كتبنا والعليق عنا.

ومن ذلك قراءة زهير الفرقبي: "فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ٥".

قال [١٥٤ظ] أبو الفتح: هذا جمع نهر، كما جاء عنهم من تكسير فعل على فعل، كأسد وأسد، ووثن ووثن.


١ سورة القمر: ٤٩.
٢ انظر الكتاب: ١: ٧٤، وفيه عن الآية: "فأما قوله -عز وجل-: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} ، فإنما هو على قوله: زيدا ضربته، وهو عربي كثير.
٣ في ك: وذلك لأنه في الأصل جملة وقعت.
٤ سورة الزمر: ٦٠.
٥ سورة القمر: ٥٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>