للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٤- الميوعةُ في غَزَلِ مِهْيَار:

كما أن مهيار لم يكن يسعفه التعبير الحاد في اللغة، كذلك لم يكن يسعفه الشعور الحاد؛ ففي شعره ضرب من الميوعة واللِّيونة وخاصة في غزله؛ إذ يحس الإنسان دائمًا بأن فيه إفراطًا في الحس والشعور والرقة، بل إنه لتنساب منه ألوان من الذلة والضراعة، فقد خُلِقَ -كما يقول- رقيق القلب١، وإنها لرقة تخرج به عن الحدود المألوفة، حتى لنرى أنفاس الخزامي تَخِزه٢، وإنه لوخز غريب، ولكن لا غرابة فيه، فمهيار يتكلف الليونة والدماثة والحس الحاد والشعور المفرط؛ فإذا شعره يفقد ما يمكن أن يكون في العواطف من حرارة وقوة. إنه شعر يمتلئ بالميوعة والرقة المفرطة ولعل ذلك ما جعله يقول في وصف قصائده:

في كلِّ نادٍ نازحٌ غائبُ ... لها حديثٌ بكم حاضرُ

تعرض أيام التّهاني بها ... ما تعرضُ المعشوقة العاطرُ

تميسُ منها بين أيامكم ... خاطرةٌ يتبعها الخاطرُ٣

لثَّمها التحصين عن غيركم ... وهي على أبوابكم سافرُ

فهو يعترف بأن قصائده -حتى في المديح- كأنها المعشوقة العاطر. إنها من جنس المعشوقات اللائي يتشاجين ويتموجن ويرضين في لبوس الغضب ويغضبن في لبوس الرضا.

لم يكن مهيار يعتمد في شعره وغزله على قوة ولا ما يشبه القوة؛ بل كان يعتمد على هذه الليونة والدماثة وما يفضيان إليه من ميوعة شديدة؛ وهي ميوعة لا تطويها أصالة في التعبير ولا طرافة في التفكير، وإنما ينشرها هذا التلفيق.


١ ديوان مهيار "طبع دار الكتب" ١/ ٢٢.
٢ الديوان ٣/ ٢٦٢.
٣ تميس: تتبختر.

<<  <   >  >>