للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٢- ذَكَاءُ أبي العَلاءِ وحفْظُهُ:

كان أبو العلاء ذكيًّا ذكاء شديدًا سريع الخاطر دقيق الحس حتى ليروي المصيصي الشاعر أنه كان يلعب بالشطرنج والنرد١!! وروى الرواة أن أبا محمد الخافجي الحلبي دخل عليه وسلَّم ولم يكن يعرفه؛ فرد عليه السلام وقال: هذا رجل طوال، ثم سأله عن صناعته فقال: اقرأ القرآن؛ فقال: اقرأ علي شيئًا منه فقرأ عليه عشرًا، فقال له: أنت أبو محمد الخفاجي الحلبي؟ فقال نعم، فسئل عن ذلك فقال: أما طوله فعرفته بالسلام، وأما كونه أبا محمد فعرفته بصحة قراءته وأدائه بنغمة أهل حلب؛ فإنني سمعت بحديثه٢. وذكر القِفْطي أنه كان له سرداب إذا أراد الأكل نزل إليه وأكل مستترًا، ثم يقول: إنه نزل إليه يومًا وأكل شيء من رُبٍّ أو دِبْس٣ ونقط على صدره منه يسير وهو لا يشعر به؛ فلما جلس للإقراء لمحه بعض الطلبة فقال: يا سيدي أكلت دبسًا فأسرع بيده إلى صدره ومسحه وقال نعم، لعن الله النهم، فاستحسن منه سرعة فهمه بما على صدره، وأنه الذي أشعر به٤. وليس من شك في أن هذا كله يدل على أن أبا العلاء كان مرهف الحس إرهافًا شديدًا، وهو إلى


١ يتيمة اليتيمة: للثعالبي ص٤.
٢ تعريف القدماء بأبي العلاء ص٢٥١.
٣ الرب: عصارة بعض الثمار. والدبس: عسل التمر أو عسل النحل.
٤ المصدر نفسه ص٣٧.

<<  <   >  >>