للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٤- موجة الغناء بالحجاز في أثناء العصر الإسلامي:

إذا تركنا العصر الجاهلي إلى العصر الإسلامي وجدنا موجة واسعة من الغناء والرقص كان لها تأثير شديد في نمو الشعر الغنائي الخالص ونمو مقطوعاته. وهي حال تعتبر في الواقع امتدادًا لما كان عليه القوم في العصر القديم؛ فلما جاء الإسلام نمتْ هذه الحال وبخاصة في الحجاز إذا عرف في هذا العصر بكثرة الغناء والمغنين، وكان أكثرهم من الموالي: من الفرس والروم وغيرهما، واشتهر منهم طويس وسائب خاثر ثم تبعهما ابن سريج وابن مسجح وابن محرز بمكة، ومعبد ومالك بالمدينة، أما المغنيات فقد امتلأت بهن المدينة؛ إذ نجد جميلة وسلامة القسسِّ وعزة الْمَيلاء وحَبابة وبلبلة ولذة العيش وسعيدة والزرقاء وعُقَيْلَة وخُلَيْدة والشماسيَّة وغيرهن كثير١.

وكان المغنون من الأجانب يؤثرون في الغناء العربي بما يدخلونه من النغم الأجنبي الفارسي أو الرومي، كما حكى ذلك أبو الفرج عن ابن مسجح؛ إذ يقول عنه إنه "نقل غناء الفرس إلى غناء العرب ثم رحل إلى الشام وأخذ ألحان الروم والبَرْبَطِيَّة والأسطوخوسيَّة وانقلب إلى فارس فأخذ بها غناء كثيرًا وتعلم الضرب، ثم قدم إلى الحجاز وقد أخذ محاسن تلك النغم وألقى منها ما استقبحه من النبرات والنغم التي هي موجودة في نغم غناء الفرس والروم خارجة عن غناء العرب، وغنى ابن مسجح على هذ االمذهب"٢. وحكى أبو الفرج هذا الصنيع أيضًا عن ابن محرز فقد شخص إلى فارس فتعلم ألحان الفرس وأخذ غناءهم، ثم صار إلى الشام فتعلم ألحان الروم وأخذ غناءهم وأسقط من ذلك ما لا يستحسن من نغم الفريقين وأخذ محاسنها فمزج بعضها ببضع وألف منها الأغاني التي صنعها في أشعار العرب٣. وأدخل هؤلاء المغنون من الموالي في الغناء العربي آلات.


١ أغاني "دار الكتب" ٨/ ٢٠٩.
٢ أغاني "دار الكتب" ٣/ ٢٧٦.
٣ أغاني "دار الكتب" ١/ ٣٧٨.

<<  <   >  >>