للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[تلون كتب التفاسير بثقافة مؤلفيها]

ثم ألفت بعد ذلك كتب يغلب عليها التأويل، والتفسير الاجتهادي لعلماء برعوا في بعض العلوم، وبرزوا فيها، ومنهم: من هُم من أهل السنة والجماعة، ومنهم: من هم من أهل الزيغ والابتداع، فصار كل واحد منهم يميل بالتفسير إلى إبراز ما برع فيه، فالنحوى ليس له هم إلا الإعراب وذكر الأوجه المحتملة في الآية، ونقل قواعد النحو ومسائله وخلافياته كأن كتب التفسير مجان للتمرين النحوي، واستذكار القواعد، وذلك: كالزجاج، والواحدي في البسيط، وأبي حيان في البحر المحيط.

والإخباري ليس له هَمٌّ إلا ذكر القصص. واستيفاؤها عمن مضى من الأنبياء، والأمم، والملوك، وذكر ما يتعلق بالفتن والملاحم وأحوال الآخرة، ولا عليه بعد هذا إن كانت صحيحة، أو باطلة؛ لأنه لم يتحر الصدق، ولم يبحث عن الرواة، وكونهم ثقات أو غير ثقات، وذلك كما فعل الثعلبي في تفسيره، فقد حشاه بالكثير من القصص الإسرائيلي، والروايات المكذوبة الموضوعة.

والفقيه: يكاد يسرد فيه مسائل الفقه جميعها، وكثير ما يستطرد إلى إقامة الأدلة، وبيان منشأ الخلاف إلى غير ذلك مما لا تعلق له بالآية والأدهى من ذلك أنه يفيض في أدلة مذهبه، والميل بالآية إليه، ومحاولة إضعاف مذهب غيره، وذلك: كما فعل الإمام القرطبي في تفسيره، فإن ما فيه من التفسير أقل مما فيه من الأحكام الفقهية، ولا سيما على مذهب إمام دار الهجرة مالك رحمه الله تعالى.

وصاحب العلوم العقلية قد ملأ تفسيره بأقوال الحكماء، والفلاسفة وشبههم، والرد عليهم، ويخرج من شيء إلى شيء، ويستطرد، ثم يستطرد حتى ينسى الإنسان أنه في كتاب تفسير، ويخيل إليه أنه يقرأ كتابا من كتب الكلام، والملل والنحل، كما صنع الإمام

<<  <   >  >>