للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المطلب الثاني: اتخاذ القبور مساجد، والبناء عليها، والصلاة إليها من الوسائل المفضية إلى الشرك]

تمهيد:

ذكرنا فيما مضى أن رسولنا صلى الله عليه وسلم كان حريصا على حماية جناب التوحيد١.

ومن مظاهر حرصه صلى الله عليه وسلم، تلك الأحاديث الكثيرة التي قالها يحذر أمته عن سلوك الطرق التي تفضي إلى الشرك من اتخاذ القبور مساجد، أو البناء عليها، أو الصلاة إليها.

ويمكن تصنيف هذه الأحاديث وفق الموضوعات التالية:

أولا- أحاديث تنهى عن اتخاذ القبور مساجد، أو البناء عليها: ومنها:

١- ما جاء في الصحيح عن عائشة رضي الله عنها أن أم سلمة رضي الله عنها ذكرت لرسول الله صلى الله عليه وسلم كنيسة رأتها بأرض الحبشة، وما فيها من الصور؛ فقال صلى الله عليه وسلم: "أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح، أو العبد الصالح بنوا على قبره مسجدا وصوروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله" ٢. ويلاحظ الوعيد في هذا الحديث في قوله صلى الله عليه وسلم: "أولئك شرار الخلق عند الله"، وهذا الوعيد يتناول من اتخذ قبور الأنبياء مساجد، ومعنى اتخاذها مساجد: أي بناء المساجد عليها٣. ومعلوم أن الفتنة بالقبور كالفتنة بالأصنام، أو أشد. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وهذه العلة التي لأجلها نهى الشارع صلى الله عليه وسلم عن اتخاذ المساجد على القبور، هي التي أوقعت كثير من الأمم، إما في الشرك الأكبر، أو فيما دونه من الشرك فإن الشرك بقبر الرجل الذي يعتقد صلاحه أقرب إلى النفوس من الشرك بخشبة أو حجر؛ ولهذا تجد أهل الشرك يتضرعون عندها ويخشعون ويخضعون ويعبدون بقلوبهم عبادة لا يفعلونها في بيوت الله ولا وقت السحر، ومنهم من يسجد لها، وأكثرهم يرجون من بركة الصلاة عندها والدعاء ما لا يرجونه في المساجد٤. فنهى صلى الله عليه وسلم عن بناء المساجد عليها حسما لمادة الشرك، وسدا للطرق المفضية إليه.


١ انظر ص١٥١ من هذا الكتاب.
٢ صحيح البخاري، كتاب الصلاة، باب: هل تنبش قبور مشركي الجاهلية ويتخذ مكانها مساجد؟
وصحيح مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب النهي عن بناء المساجد على القبور.
٣ انظر فتح الباري لابن حجر ١/ ٥٢٤.
٤ نقل ذلك عنه الشيخ عبد الرحمن بن حسن في كتاب فتح المجيد شرح كتاب التوحيد ص٣١٢.

<<  <   >  >>