للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[ذكر الهجو في معرض المدح]

وكم بمعرض مدح قد هجوتهم ... وقلت سدتم بحمل الضيم والتهم١

هذا النوع من مستخرجات ابن أبي الأصبع، وهو أن يقصد المتكلم هجاء إنسان، فيأتي بألفاظ موجهة ظاهرها المدح وباطنها القدح٢، فيوهم أنه يمدحه وهو يهجوه، كقول الحماسي:

يجزون من ظلم أهل الظلم مغفرة ... ومن إساءة أهل السوء إحسانا

كأن ربك لم يخلق لخشيته ... سواهم من جميع الناس إنسانا٣

فظاهر هذا الكلام المدح بالحلم والعفة والخشية والتقوى، وباطنه المقصود أنهم في غاية الذل وعدم المنعة، وظريف قول بعضهم في الشريف ابن الشجري:

يا سيد والذي يعيذك من ... نظم قريض يصدي به الفكر٤

ما فيك من جدك النبي سوى ... أنك لا ينبغي لك الشعر

ومن ملح هذا الباب، قول ابن سناء الملك في قواد٥:

لي صاحب أفديه من صاحب ... حلو التأني حسن الاحتيال

لو شاء من رقة ألفاظه ... ألف ما بين الهدى والضلال٦

يكفيك منه أنه ربما ... قاد إلى المهجو طيف الخيال


١ سدتم: صرتم سادة.
٢ القدح: الذم والهجاء.
٣ لخشيته: أي لأجل أن ينفذوا خشيته أي ليخشوه. والخشية هي الإحساس بمراقبة الله في القول والعمل.
٤ يصدى: يعطش ويجف، ويصدأ.
٥ القواد: الذي يصلح بين القاتل وأهل المقتول ويأخذ لهم القود أي البدل.
٦ ألّف: جمع.

<<  <  ج: ص:  >  >>