للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[ذكر الاحتراس]

فإن أقف غير مطرود بحجرته ... لم أحترس بعدها من كيد مختصم

الاحتراس: هو أن يأتي المتكلم بمعنى يتوجه عليه فيه دخل فيفطن له، فيأتي بما يخلصه من ذلك ومثاله في كتاب الله عز وجل: {اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ} ١ فاحترس بقوله تعالى: من غير سوء، عن إمكان أن تدخل في البرص والبهق٢ وغير ذلك، ومثال ذلك في الشعر، قول طرفة:

فسقى ديارك غير مفسدها ... صوب الغمام وديمة تهمي

فقوله: عير مفسدها احتراس من مقابله وهو محو معالمها، والفرق بين الاحتراس والتتميم والتكميل أن المعنى قبل التكميل صحيح تام، ثم يأتي التكميل بزيادة تكمل حسنه، إما بفن زائد أو معنى، والتتميم يأتي لتتميم نقص المعنى ونقص الوزن معًا، والاحتراس إنما هو لدخل يتطرق إلى المعنى وإن كان تامًّا كاملًا ووزن الشعر صحيحًا.

وبيت الشيخ صفي الدين الحلي في بديعيته قوله:

فوفني غير مأمور وعودك لي ... فليس رؤياك أضغاثًا من الحلم٣

احتراس الشيخ صفي الدين، في قوله: غير مأمور، فإن لفظة وفني في البيت فعل أمر، ومرتبة الآمر فوق مرتبة المأمور، فاحترس بقوله: غير مأمور.


١ القصص: ٢٨/ ٣٢.
٢ البهق: بياض في الجسد غير البرص.
٣ أصغاث: جمع مفرده ضغث وهو الكلام لا خير فيه، وأضغاث أحلام: لا يمكن تأويلها لالتباسها واختلاطها.

<<  <  ج: ص:  >  >>