للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

القراءات أصولا وفرشا، وإلا داخله الوهم والغلط في كثير. وإن أقرأ بكتاب وهو غير حافظ له فلا بد أن يكون ذاكرا كيفية تلاوته به حال تلقيه من شيخه مستصحبا ذلك، فإن شك في شيء فلا يستنكف أن يسأل رفيقه أو غيره ممن قرأ بذلك الكتاب حتى يتحقق بطريق القطع أو غلبة الظن فإن لم١. وإلا فلينبه على ذلك بخطه في الإجازة، وأما من نسي أو ترك فلا يعدل إليه إلا لضرورة، ككونه انفرد بسند عال أو طريق لا توجد عند غيره فعند ذلك والحالة هذه لا يخلو إما أن يكون القارئ عليه مستحضرا ذاكرا عالما بكيفية ما يقرأ أولا، فإن كان فسائغ جائز وإلا فحرام ممنوع. وأن يحذر الإقراء بما يحسن في رأيه دون النقل أو وجه إعراب أو لغة دون رواية.

ونقل أبو القاسم الهذلي عن أبي بكر بن مجاهد أنه قال: لا تغتروا بكل مقرئ إذ الناس على طبقات؛ فمنهم من حفظ الآية والآيتين والسورة والسورتين، ولا علم له غير ذلك فلا تؤخذ عنه القراءة، ولا تنقل عنه الرواية ولا يقرأ عليه، ومنهم من حفظ الروايات، ولم يعلم معانيها ولا استنباطها من لغات العرب، ونحوها فلا تؤخذ عنه لأنه ربما يصحف، ومنهم من يعلم العربية، ولا يتبع الأثر والمشايخ في القراءة فلا تنقل عنه الرواية لأنه ربما حسنت له العربية حرفا ولم يقرأ به والرواية متبعة والقراءة سنة يأخذها الآخر عن الأول، ومنهم من فهم التلاوة وعلم الرواية، وأخذ حظّا من الدراية من النحو واللغة، فتؤخذ منه الرواية ويقصد للقراءة. وليس الشرط أن يجتمع فيه جميع العلوم إذا الشريعة واسعة والعمر قصير وفنون العلم كثيرة ودواعيه قليلة، والعوائق ملعومة تشغل كل فريق بما يعنيه. قلت: فحسبك تمسكا بقول هذا الإمام في المقرئ الذي يؤخذ عنه ويقصد.

ولا يجوز له أن يقرئ إلا بما سمع أو قرأ، فإن قرأ الحروف المختلف فيها أو سمعها فلا إخلاف في جواز إقرائه القرآن العظيم بها بالشرط المتقدم، وهو أن يكون ذاكرا، وما بعده وهل يجوز له أن يقول قرأت بها القرآن كله؟ لا يخلو إما أن يكون قرأ القرآن كله بتلك الرواية على شيخه أصولا وفرشا، ولم يفته إلا تلك الأحرف فيتلفظ بها بعد ذلك أو قبله أو لا، فإن كان فيجوز له ذلك وإلا فلا. ورأى الإمام ابن مجاهد وغيره جواز قول بعض من يقول قرأت برواية كذا القرآن من غير تأكيد إذا كان قرأ القرآن، وهذا قولا يعول عليه، وكنت قد ملت إليه ثم ظهر لي أنه تدليس فاحش، وهذا يلزم منه مفاسد كثيرة فرجعت عنه. وهل يجوز له أن يقرأ القرآن بما أجيز له على أنواع


١ كذا في الأصل.

<<  <   >  >>