للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلك أنه قد رُوعي التناسب في معاني السور مع التناسب في الصور؛ أي: مقدار الطول والقصر"١.

ثم تحدث -رحمه الله تعالى- عن التناسب بين سورة البقرة وآل عمران والنساء والمائدة والأنعام، أما الفاتحة فلم يراعِ مناسبتها لما بعدها وحده؛ إذ هي فاتحة القرآن كله، فقال عن المناسبة بين هذه السور: "سورة البقرة أجمع سور القرآن لأصول الإسلام وفروعه، ففيها بيان التوحيد، والبعث، والرسالة العامة والخاصة، وأركان الإسلام العملية، وبيان الخَلْق والتكوين، وبيان أحوال أهل الكتاب والمشركين والمنافقين في دعوة القرآن، ومحاجة الجميع، وبيان أحكام المعاملات المالية والقتال والزوجية، والسور الطوال التي بعدها متممة لما فيها؛ فالثلاث الأولى منها مفصلة لكل ما يتعلق بأهل الكتاب؛ ولكن البقرة أطالت في محاجة اليهود خاصة، وسورة آل عمران أطالت في محاجة النصارى في نصها الأول، وسورة النساء حاجتهم في أواخرها، واشتملت في أثنائها على بيان شئون المنافقين مما أُجمل في سورة البقرة، ثم أتمت سورة المائدة محاجة اليهود والنصارى فيما يشتركان فيه، وفيما ينفرد كل منهما به.

ولما كان أمر العقائد هم الأهم المقدَّم في الدين، وكان شأن أهل الكتاب فيه أعظم من شأن المشركين؛ قدمت السور المشتملة على محاجتهم بالتفصيل، وناسب أن يجيء بعدها ما فيه محاجة المشركين بالتفصيل؛ وتلك سورة الأنعام، لم تستوفِ ذلك سورة مثلها، فهي متممة لشرح ما في سورة البقرة مما يتعلق بالعقائد، وجاءت سورة الأعراف بعدها متممة لما فيها ومبينة لسنن الله تعالى في الأنبياء المرسلين وشئون أممهم معهم، وهي حجة على المشركين وأهل الكتاب جميعًا؛ ولكن سورة الأنعام فصَّلت الكلام في إبراهيم الذي ينتمي إليه العرب وأهل الكتاب في النَّسَب والدين، وسورة الأعراف فصَّلت الكلام في موسى الذي ينتمي إليه أهل الكتاب، ويتبع شريعته جميع أنبيائهم حتى عيسى المسيح عليه الصلاة والسلام.

ولما تم بهذه السورة تفصيل ما أُجمل في سورة البقرة من العقائد في


١ تفسير المنار: محمد رشيد رضا ج٧ ص٢٨٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>