للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الأساس الرابع: إنكار التقليد وذمه والتحذير منه]

وهو أساس متولد -كما ذكرنا- من سابقه، ويطلق التقليد ويراد به في عرف الفقهاء "وقبول قول الغير من غير حجة"، ولا يُسمى الأخذ بالكتاب أو السنة أو الإجماع تقليدًا؛ لأن ذلك هو الحجة في نفسه١.

ولا يخفى أمر الاجتهاد والتقليد في عمومه، وقد حدثت بين المسلمين حوادث تحز في نفس المسلم من عبارات مؤيدي الاجتهاد أو أنصار التقليد، وما أدى التطرف بطائفة من هؤلاء وأخرى من أولئك إلى أقوال وأفعال لا تحمد، وليس بحثنا هنا بحثًا أصوليًّا نعرض فيه أقوال هؤلاء وهؤلاء؛ ولكنه بيان لموقف رجال المدرسة العقلية الاجتماعية في التفسير.

وهو موقف تلحظه في كل سطر؛ بل في كل كلمة من كلماتهم، يرفضون التقليد وينكرونه ويذمون أصحابه وينعون عليهم فعلهم.

وهذا الأستاذ الإمام محمد عبده -أستاذ المدرسة ورائدها- جعل تحرير الفكر من قيد التقليد أول أمر دعا إليه؛ حيث قال: "ثم لم ألبث بعد قطعه من الزمن أن سئمت الاستمرار على ما يألفون، واندفعت إلى طلب شيء مما لا يعرفون؛ فعثرت على ما لم يكونوا يعثرون عليه، وناديت بأحسن ما وجدت ودعوت إليه، وارتفع صوتي بالدعوة إلى أمرين عظيمين؛ الأول: تحرير الفكر من قيد التقليد، وفَهْم الدين على طريقة سلف الأمة قبل ظهور الخلاف والرجوع في كسب معارفه إلى ينابيعها الأولى، واعتباره من ضمن موازين العقل البشري التي وضعها الله؛ لترد من شططه، وتقلل من خلطه وخبطه، وقد خالفت في الدعوة إليه رأي الفئتين العظيمتين اللتين يتركب منها جسم الأمة: طلاب علوم الدين ومَن على شاكلتهم، وطلاب فنون هذا العصر ومَن هو في ناحيتهم"٢.

وهذا الاجتهاد الذي يدعو إليه الأستاذ الإمام سهل المنال على الجمهور


١ روضة الناظر وجنة المناظر: ابن قدامة المقدسي ص٢٠٥.
٢ تاريخ الأستاذ الإمام: محمد رشيد رضا ج١ ص١١.

<<  <  ج: ص:  >  >>