للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَثَبَتَ١ لَهُ الْيَدُ الَّتِي هِيَ الْيَدُ عِنْدَ ذِكْرِ الْمُبَايَعَةِ، إِذْ سَمَّى الْيَدَ مَعَ الْيَدِ، وَالْيَدُ مَعَهُ عَلَى الْعَرْشِ، وَكَقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ الصَّدَقَةَ تَقَعُ فِي يَدِ الرَّحْمَنِ قَبْلَ يَدِ السَّائِلِ" ٢ فَثَبَتَ بِهَذَا أَنَّهُ ٣ الْيَدُ الَّتِي هِيَ الْيَدُ، وَإِنْ لَمْ يَضَعْهَا الْمُتَصَدِّقُ فِي نفس يَد الله: وَكَذَا تَأْوِيلُ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ، إِنَّمَا هُوَ إِكْرَامٌ لِلْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَتَعْظِيمٌ٤ لَهُ وتثبيت ليد الرَّحْمَن


= يُطلق فَيَقُول: يَمِين الله، وَحكم اللَّفْظ الْمُقَيد يُخَالف حكم اللَّفْظ الْمُطلق".
ثمَّ قَالَ: "فَمن صافحه وقبَّله فَكَأَنَّمَا صَافح الله وَقبل يَمِينه" وَمَعْلُوم أَن الْمُشبه غير الْمُشبه بِهِ، وَهَذَا صَرِيح أَن المصافح لم يُصَافح يَمِين الله أصلا، وَلَكِن شبه بِمن يُصَافح الله، فَأول الحَدِيث وَآخره يبين أَن الْحجر لَيْسَ من صِفَات الله كَمَا هُوَ مَعْلُوم عِنْد كل عَاقل، وَلَكِن يبين أَن الله تَعَالَى كَمَا جعل للنَّاس بَيْتا يطوفون بِهِ جعل لَهُم مَا يستلمونه، ليَكُون ذَلِك بِمَنْزِلَة تَقْبِيل يَد العظماء فَإِن ذَلِك تقريب للمقبل وتكريم لَهُ، كَمَا جرت الْعَادة، وَالله وَرَسُوله لَا يَتَكَلَّمُونَ بِمَا فِيهِ إضلال النَّاس؛ بل لابد من أَن يبين لَهُم مَا يَتَّقُونَ، فقد بَين لَهُم فِي الحَدِيث مَا يَنْفِي من التَّمْثِيل" بنصه من مَجْمُوع الْفَتَاوَى ٣٩٧/٦-٣٩٨.
قلت: وَمن هُنَا يتَبَيَّن أَن الْيَمين فِي هَذَا الحَدِيث لَا يُراد بهَا حَقِيقَة الْيَمين الَّتِي هِيَ من صِفَات الله، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ شيخ الْإِسْلَام ابْن تَيْمِية حَيْثُ ذكر هَذَا الحَدِيث فِي مَوضِع آخر وَقَالَ: "لَو كَانَ هَذَا اللَّفْظ ثَابتا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم ابْن تَيْمِية حَيْثُ ذكر هَذَا الحَدِيث فِي مَوضِع آخر وَقَالَ: "لوكان هَذَا اللَّفْظ ثَابتا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم فَإِن هَذَا اللَّفْظ صَرِيح فِي أَن الْحجر لَيْسَ هُوَ من صِفَات الله، إِذْ قَالَ: "هُوَ يَمِين الله فِي الأَرْض" فتقيده بِالْأَرْضِ يدل على أَنه لَيْسَ هُوَ يَده على الْإِطْلَاق، فَلَا يكون الْيَد الْحَقِيقَة إِلَى أَن قَالَ: وَإِذا كَانَ اللَّفْظ صَرِيحًا فِي أَنه جعل بِمَنْزِلَة الْيَمين لَا أَنه نفس الْيَمين كَانَ من اعْتقد أَن ظَاهره أَنه حَقِيقَة الْيَمين قَائِلا للكذب الْمُبين" انْظُر: مَجْمُوع الْفَتَاوَى ٥٨٠/٦-٥٨١، وَانْظُر أَيْضا: تَأْوِيل الحَدِيث لِابْنِ قُتَيْبَة/ طبعة بيروت ص"١٤٥".
١ فِي ط، ش "فَتثبت".
٢ تقدم بِنَحْوِهِ ص"٢٨٨".
٣ كَذَا فِي الأَصْل وَفِي ط، س، ش "فَثَبت بِهَذَا لله الْيَد".
٤ فِي س "وتعظيمًا" بِالنّصب، وَلَا مُوجب لَهُ هُنَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>