للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فهذه القدرات في تنوعها تحتاج إلى تنميتها لدى الأفراد من خلال جوانب التعليم والمعرفة المتعددة، ومنها جانب اللغة العربية وعلومها المختلفة التي تقدح ذهن المتعلم، وتنمي فيه قدرات عقلية متنوعة، كسعه الخيال وخصوبته، وفهم مرامي الكلام وتأويله ولحنه ومغازيه، وإدراك الحكمة والتمثل بها قولاً وعملاً؛ ولذلك ربط بين الرأي والأدب.

فقيل: (الرأي والأدب زوج، لا يكمل الرأي بغير الأدب، ولا يكمل الأدب إلا بالرأي) ١؛ وذلك أن الأدب هو الوسيلة في التعبير الموضحة لمقدار العقل، والذي يؤكده ذلك الموقف من غلام وفد أهل الحجاز عندما جاءوا مبايعين للخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فتقدم الغلام للكلام، فقال عمر: يا غلام ليتكلم من هو أسن منك، فقال الغلام: يا أمير المؤمنين، إنما المرء بأصغريه قلبه ولسانه، فإذا منح الله عبده لساناً لافظاً وقلباً حافظاً فقد استجاد له الاختيار ٢. فزين الغلام فكره بمنطقه اللغوي، ولو كان عي اللسان لما ازدان فكره بلسانه.

قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه في بيان أهمية اللغة في التربية العقلية: "تعلموا العربية فإنها تثبت العقول، وتزيد في المروءة" ٣.

وقال: "وعليكم بالفقه في الدين، وحسن العبادة، والتفهم في العربية"٤. فاللغة هي الجسر الذي يصل بين الحياة والفكر، تسبق وجود الأشياء أحياناً، وتلحقها أحياناً أخرى، فالفكرة التي تجول في الذهن مجردة تنتقل إلى شيء يتحقق وجوده وبعد أن يوجد الشيء ينتقل إلى أذهان الآخرين بطريق اللغة ٥.


١ ابن المقفع، الأدب الصغير والأدب الكبير، ص (٣٧) .
٢ أبو إسحاق القيرواني، زهرة الآداب (١/٤٠) .
٣ ابن الجوزي، تاريخ عمر بن الخطاب، ص (٢٢٢) .
٤ المرجع السابق (٢٢٢) .
٥ محمد المبارك، فقه اللغة وخصائص العربية، ص (١٤) .

<<  <   >  >>