للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عليا من أهم وظائف العقل البشري التي تمكنه من الفهم والإدراك، والتمييز والمعرفة والاستيعاب والاستنباط والاستنتاج، وإصدار الأحكام الصائبة) ١.

والمتأمل يجد أن اللغة العربية وعلومها من أهم المصادر الفاعلة في تربية الفكر الإنساني ونموه، لما حوته علوم اللغة العربية من الحكم والأمثال والقصائد الشعرية والأدب النثري الذي تزكو به العقول (فللعقول سجيات وغرائز بها تقبل الأدب، وبالأدب تُنَمَّى العقول وتزكو، فكما أن الحبة المدفونة في الأرض لا تقدر أن تخلع يبسها وتُظهر قوتها وتطلع فوق الأرض بزهرتها وريعها ونظرتها ونمائها إلا بمعونة الماء الذي يغور إليها في مستودعها، فيذهب عنها أذى اليَبَس والموت، ويحدث لها بإذن الله القوة والحياة، فكذلك سليقة العقل مكنونة في مغْرِزِها من القلب، لا قوة لها ولا حياة بها، ولا منفعة عندها حتى يعتملها الأدب الذي هو ثمارها وحياتها ولقاحها) ٢.

واللغة العربية لم تقتصر على كونها معبرة عن التفكير، بل كانت أداة نموه، وارتقائه ٣. ويشهد لذلك القرائح الأدبية التي أثرت كتب الأدب بالنثر والشعر الذي حوته بين جوانبها.

والذي يتأمل خصائص اللغة العربية، ويدرسها بعمق، انما تزيده عمقاً فكرياً، ففي مكونات الكلمة أسرارٌ بديعة، يكشفها علماء اللغة العربية. فهناك. (تقابل بين أصوات الألفاظ، وما تدل عليه من المعاني، فمن ذلك أنه يرى ـ أي ابن جني ـ أن تكرار الحروف في اللفظ يقابل تكرار الحدث، أو الفعل في الواقع كما في زلزل، وجرجر، وأن تكرير العين في بناء الفعل، وهي أقوى حروفه، يقابل تكرير الفعل نفسه كما في كسّر وعلّق، ويرى ابن جني أن ما سبق لم يقع


١ عبد الحميد الصيد الزنتاني، أسس التربية الإسلامية في السنة النبوية، ص (٤٤٤) .
٢ عبد الله بن المقفع، الأدب الصغير والأدب الكبير، ص (١١ـ١٢) .
٣ محمد المبارك، فقه اللغة وخصائص العربية، ص (١٥) .

<<  <   >  >>