للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وأما إذا لم يترافعوا إلينا فلا نتعرض لهم, ومن المعلوم أنهم لا ينزجرون عن ارتكاب الذنوب والآثام ولا يتورعون عن فعل المحرمات على اختلاف أنواعها من ترك الصلاة والصوم والحج والزكاة وغير ذلك من صنوف الذنوب والآثام, ولا ذنب أعظم من الكفر فكيف يرجى منهم فعل الحداد وهم لا يفعلون ما هو أعظم من الحداد, وإلى ما قلنا أشار ابن القيم في الهدي بقوله: "وسر المسألة أن شرائع الحلال والحرام والإيجاب إنما شرعت لمن التزم أصل الإيمان, ومن لم يلتزمه وخلى بينه وبين دينه فإنه يخلى بينه وبين شرائع الدين الذي التزمه كما خَلى بينه وبين أصله ما لم يُحاكم إلينا وهذه القاعدة متفق عليها بين العلماء"١.

فهذا ابن القيم يرى أن الحدود لا يجب على الذمية بإيجاب الشرع إلا أن يحصل الترافع منهم إلى المسلمين فحينئذ يلتزمون بأحكام الإسلام, وإلا فهم لا يتورعون عن ارتكاب المعاصي من الكبائر والصغائر والإسلام, لم يوجب على أتباعه إلزام أهل الذمة بشرائع الإسلام, وإنما يخلى بينهم وبين أحكَام الدين الذي يدينون به ما لم يترافعوا إلينا أو يتعرضوا للإسلام أو أحدٍ من أتباعه بالإهانة؛ لأنهم بعقدهم الذمة مع المسلمين وفرض الجزية عليهم وهم صاغرون إنما هو لحفظ دمائهم وأموالهم وعدم التعرض لهم إلا في الأمور التي فيها ضرر على الإسلام والمسلمين, وإيجاب الحداد على الذمية ليس فيه شيء من ذلك نعم الله عز وجل أرادَ منهم الإسلام, ولكن هم لم يمتثلوا فإذا دخلوا في الإسلام وجب عليهم ما يجب على المسلمين.


١ زاد المعاد: ج٤ ص ٢٦٩.

<<  <   >  >>