للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقد وصفها صاحبها بقوله: إن أعلاها أسفلها، وأولها آخرها، وقال: "أرضها سماؤها وصبحها مساؤها، نسجت على منوالين وتجلت في لونين"؛ لأنك مختار أن تقرأها إن شئت من أولها وإن شئت من آخرها، إن سقتها على ترتيبها جاءت منقادة، وإن أردت أن تردها على أعقابها وتعكسها قلت: الأسرار عند الأحرار، وجوهر الوفاء ينافي الجفاء، وقبح السمعة ينشر الشنعة، واتقاء المعاطب يؤمن العواقب.. وهكذا إلى أولها، ويكون آخرها: ورب الإحسان صنيعة الإنسان.

والرسالة كلها مكونة من مبتدأ وخبر، ولا شك أن هذا العمل قد كلفه جهدا عظيما بالغا، إلا أنه يكشف عن قدرة فنية عجيبة بقطع النظر عما يقوله العاجزون بعده.

يبدو من المناسب هنا أن نذكر شيئا من بديعيات صفي الدين الحلي؛ فنورد هنا أربعة أبيات فقط، وهي من لون آخر عمودي أي أنها تقرأ من اليمين إلى الشمال ومن أعلاها إلى أسفلها، فإليك بها:

ليت شعري لك علم من سقامي يا شفائي

لك علم من زفيري ونحولي وضنائي

من سقامي ونحولي داوني إذ أنت دائي

يا شفائي وضنائي أنت دائي ودوائي

فهذه الأبيات الأربعة تكون تشكيلا هندسيا رائعا، فهي من أربعة أجزاء أي كل بيت له أربعة أجزاء، فإذا أخذت الجزء الأول من كل بيت لديك البيت الأول وإذا قرأت من كل بيت (عموديا طبعا) الجزء الثاني تكون عندك البيت الثاني.. إلى آخر هذه الأبيات الأربعة.

وهذا يكاد يكون يشبه تلك الأشكال الرياضية التي يستعمل فيها العقل المجرد بعيدا عن العاطفة وإثارة الإحساس، من خلال تجارب الحياة للشاعر، مثلا الرياضيون يأتون بهذا الشكل الذي تراه أمامك لمجرد الرياضة الذهنية، فأنت إذا جمعت الأعداد من اليمين إلى الشمال أو الشمال إلى اليمين كان الحاصل ١٥، وكذلك لو جمعتها من أعلى إلى أسفل أو العكس؛ فالحاصل واحد.

٢

٩

٤

١٥

٧

٥

٣

١٥

٦

١

٨

١٥

١٥

١٥

١٥

<<  <   >  >>