للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

في قوله تعالى: {..وقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ} i.

ومن هذه الإشارات الخفية ما تلمحه في قوله: "آنست من قلبي القساوة حين حللت ساوة، فأخذت بالخبر المأثور في مداواتها بزيارة القبور، فلما صرت إلى محلة الأموات وكفات الرفات، رأيت جمعا على قبر يحفر ومجنوز يقبر"، يشير بقوله: "وكفات الرفات" إلى قوله تعالى: {أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ كِفَاتاً أَحْيَاءً وَأَمْوَاتاً} ii.

أما ذكره لقساوة القلب وزيارة القبور فهو إشارة إلى الحديث الشريف: "عودوا المرضى واحضروا المقابر؛ فإنها تزهد في الدنيا وتذكر الآخرة"، وإلى حديث أنس رضي الله عنه: "كنت نهيتكم عن زيارة القبور ثم بدا لي؛ فزوروها؛ فإنها ترق القلب وتدمع العين وتذكر الآخرة"iii.

وكما نجده يشير إلى الآية أو يأتي منها بجزء منها نجده أحيانا يأتي خلال حديثه بآيات كاملة مثل قوله في خطبة ألقاها في نفس المقامة الحادية عشرة، قال: {لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ} iv، فاذكروا أيها الغافلون، وشمروا أيها المقصرون ...

وقال في آخر هذه الخطبة: "كلا ساء ما تتوهمون، {ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ} .."v.

ومثل قوله: "كالباحث عن حتفه بظلفه والجادع مارن أنفه بكفه، فألحق بالأخسرين أعمالا، {الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً} .."vi، حيث أورد آية كاملة وجزءا من الآية التي قبلها.

أما قوله: "كالباحث عن حتفه بظلفه"، فهو إشارة إلى المثل العربي المعروف: وذلك أن ماعز كانت لقوم فأرادوا ذبحها فلم يجدوا شفرة فنبشت بظلفها في الأرض؛ فاستخرجت منها شفرة فذبحوها بها.

وكذلك قوله: "والجادع مارن أنفه بكفه" إشارة إلى قصير ابن سعيد بن عمرو مولى جذيمة الأبرش، والمثل: "لو يطاع لقصير رأي"، معروف كما أن قصته مشهورة vii.

هذا لو تتبعنا هذا اللون في كلام الحريري لطال بنا الحديث، فقد جمع الكثير من ذلك في هذا الكتاب؛ لهذا نكتفي بما أشرنا إليه لننتقل إلى لون آخر.


i سورة النور الآية ٣٥.
ii سورة المرسلات الآية ٢٥، ٢٦.
iii صحيح مسلم وأبي داود والترمذي (في الجنائز) .
iv سورة الصافات آية ٦١.
v سورة التكاثر آية ٤.
vi سورة الكهف آية ١٠٤، وراجع الشريشي ج ١ ص ٢٣.
vii من أراد الوقوف عليها فليرجع إلى كتب الأمثال، وإلى الشريشي ج ٣ ص ٤- ٨.

<<  <   >  >>