للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

المطلب الثّاني:

التّوكُّل على الله - سبحانه وتعالى - مع الأخذ بالأسباب

حقيقة التوكّل هو اعتماد القلب على الله تعالى في حصول ما ينفع العبد في دينه ودنياه، ودفع ما يضره في دينه ودنياه، ولابد - مع هذا الاعتماد واليقين - من مباشرة الأسباب التي نصبها الله مقتضيات لمسبباتها قدرًا وشرعًا، وتعطيل هذه الأسباب يعد قادحًا في نفس التوكل معطلاً للحكمة والشرع١.

ويأتي التوكل بعد حصول التقوى كأثر من آثارها ولازم من لوازمها، ولذا قال تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} ٢، وقال تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} ٣.

فهكذا جعل الله تعالى - في هاتين الآيتين - التوكل بعد التقوى الذي هو قيام الأسباب المأمور بها، فحينئذ إن توكل على الله فهو حسبه وكافيه.

قال القرطبي: "التوكل هو: الثقة بالله والإيقان بأن قضاءه ماض واتباع سنة نبيه صلى الله عليه وسلم في السعي فيما لا بد منه من الأسباب من مطعم ومشرب، وتحرز من عدو وإعداد ... "٤ أ?. وقال الإمام القشيري: "اعلم أن التوكل محله القلب، وأما الحركة بالظاهر فلا تنافي التوكل بالقلب، بعدما يحقق العبد أن الرزق من قبل الله تعالى، فإن تعسر شيء فبتقديره، وإن تيسًّر شيء فبتيسيره"٥.

وقد ذكر الله تعالى موقف الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه عندما خوفهم بعض الناس -


١ زاد المعاد (٤/١٥) بتصرف.
٢ سورة المائدة: الآية رقم (١١) .
٣ سورة الطلاق: الآيتان رقم (٢-٣) .
٤ الجامع لأحكام القرآن (٤/٢٠٠) .
٥ الجامع لأحكام القرآن (٧/٩) .

<<  <   >  >>