للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

الظاهر والخفي، وتعود به إلى صفوف المتواضعين إن كان فيه شيء من الكبر، وترقى به إلى درجة الأعزاء إن كان فيه شيء من الذلة والخنوع، فالحاكم والمحكوم، والرئيس والمرؤوس، وأصحاب الثروة والقوة، والنفوذ والسلطان، والذين ليس لهم من ذلك شيء، كل هؤلاء متساوون في الوقوف بين يدي الله والإقبال عليه، لا فضل لأحد منهم على أحد، إلا بمقدار ما في قلبه من تقوى، وما تثمره هذه التقوى من خيرات وما تحجز عنه من موبقات، فكل أعمال الصلاة ترجع الأمر كله لله، يقف المصلون جميعا بين يدي ربهم يأتمون بإمام واحد كأنهم بنيان مرصوص، يعلنون الله أكبر، وإنها لنعم الكلمة التي تفتح بها تلك العبادة، إنها إعلان بأن الله أكبر من كل شيء ففي هذه الكلمة نفي للخوف والتردد، وإبعاد لشبح الهلع والفزع والجبن لذلك كان المؤمنون هم الذين يحققون الحكم التي يمكن أن تثمرها هذه الصلاة.

لذا هيأ الله تعالى بتشريعه وحكمته للصلاة، جوا طيبا من الإجلال والتعظيم، والخشوع والسكينة، والتعاون والاجتماع، ثم شرع الله تعالى الأذان للدعوة إليها والجمع عليها.

نداء لم تتجل فيه مقاصد الصلاة ومعانيها فحسب بل تجلت فيه كذلك مقاصد الإسلام، وشعائر التوحيد، ثم أقيمت لها المساجد تلك البيوت التي أذن الله فيها أن ترفع ويذكر فيها اسمه، والتي يتجلى فيها الوقار والسكينة، والخشوع والخضوع، فهي مهبط الرحمات، وملتقى الصالحين وموضع نظر الله في الأرض، فيها يتم التآلف والتعارف، والتوحد والترابط ويتعرف كل على حاجة أخيه قال تعالى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ} ] النور:٣٦-٣٧ [.

لقد كانت هذه المساجد مركز حياة المسلمين، وتعلمهم ودراستهم ومصدر الإصلاح والتوجيه، تعالج فيها قضايا المسلمين الدينية والاجتماعية ويعرفون في ساحاتها كل ما يرفع من شأنهم في حياتهم، ويكتب لهم السعادة بعد مماتهم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حدث حدث أو نزل بالمسلمين أمر أن ينادى في الناس (الصلاة جامعة) فيفيض إليهم بالنصح والتذكير ويعلمهم الكتاب والحكمة، ويبصرهم بما يصلح من حالهم، ويوقظ من قلوبهم، ويشد من عزمهم، وظلت المساجد هكذا تؤدي رسالتها العظيمة في خدمة الإسلام، ودعم وحدة المسلمين فكانت القطب الذي تدور حوله رحى الحياة، وتتفجر فيها ينابيع العلم والهداية، وتنبثق منها أنوار الإصلاح والإرشاد وتنطلق منها موجات الكفاح والجهاد.

<<  <   >  >>