للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

متفق عليه.

٦٤- (٢) وعنه قال: ((جاء ناس من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فسألوه: إنا نجد في أنفسنا

ــ

يحبه الله، فهذا يأثم به، ويلتحق بذلك الكبر والبغي ونحوهما. ولم يقع البحث والنزاع في هذا القسم. والقسم الثاني أن يكون من أعمال الجوارح كالزنا والسرقة. وهو الذي وقع النزاع فيه، فذهب طائفة إلى عدم المؤاخذة بذلك أصلاً، وذهب كثير من العلماء إلى المؤاخذة بالعزم المصمم. قلت: وهو الراجح المعمول عليه. قال الحافظ: واستدلوا بقوله: {ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم} [٢: ٢٢٥] وحملوا حديث أبي هريرة هذا على الخطرات، ثم افترق هؤلاء فقالت طائفة: يعاقب عليه صاحبه في الدنيا خاصة بنحو الهم والغم. وقالت طائفة: بل يعاقب عليه يوم القيامة لكن بالعتاب لا بالعذاب - انتهى. كلام الحافظ ملخصاً. وقال الحفني ملخصاً لكلام السبكي الكبير في الحلبات: إن المراتب خمسة: هاجس وخاطر وحديث نفس وهم وعزم، فالشيء إذا وقع في القلب ابتداء ولم يحل في النفس سمي هاجساً، فإذا كان موفقاً ودفعه من أول الأمر لم يحتج إلى المراتب التي بعدها: فإذا جال أي تردد في نفسه بعد وقوعه ابتداء ولم يتحدث بفعل ولا عدمه سمى خاطراً، فإذا حدثته نفسه بأن يفعل أو لا يفعل على حد سواء من غير ترجيح لأحدهما على الآخر سمي حديث نفس، فهذه الثلاثة لا عقاب عليها إن كانت في الشر، ولا ثواب عليها إن كانت في الخير، فإذا فعل ذلك عوقب أو أثيب على الفعل لا على الهاجس والخاطر وحديث النفس، فإذا حدثته نفسه بالفعل وعدمه مع ترجيح الفعل لكن ليس ترجيحاً قوياً بل هو مرجوح كالوهم سمي هماً، فهذا يثاب عليه إن كان في الخير، ولا يعاقب عليه إن كان في الشر، فإذا قوي ترجح الفعل حتى صار جازماً مصمماً بحيث لا يقدر على الترك سمي عزماً، فهذا يثاب عليه إن كان في الخير، ويعاقب عليه إن كان في الشر. وقوله " ما لم تعمل به أو تكلم" ظاهره أنه إذا فعل ذلك عوقب على نفس حديث النفس بزيادة على عقاب الفعل، وليس مراداً، بل المراد أنه إذا حصل الفعل عوقب على نفس الفعل لا على ما قبله، فهو كالاستثناء المنقطع. وقال السبكي الكبير في شرح المنهاج وولده في منع الموانع ما حاصله: أن عدم المؤاخذة بحديث النفس والهم إنما هو بشرط عدم التكلم والعمل، حتى إذا عمل يؤاخذ بشيئين همه وعمله ولا يكون همه مغفوراً وحديث نفسه إلا إذا لم يتعقبه العمل، كما هو ظاهر الحديث. وارجع لمزيد البحث والتفصيل إلى الإحياء للغزالي. وفي الحديث من الفقه أن حديث النفس وما يوسوس به قلب الإنسان لا حكم له في شيء من الدين، فلا يقع الطلاق ولا يلزم الظهار ولا يكون قاذفاً ولا يحكم بالعتاق إذا حدث نفسه بالطلاق والظهار والقذف والعتاق ما لم يتكلم بذلك، ولا يؤمر بإعادة الصلاة إذا حدث نفسه فيها (متفق عليه) وأخرجه أيضاً أحمد وأصحاب السنن.

٦٤- قوله: (إنا نجد) واقع موقع الحال، أي سألوه مخبرين أنا نجد، أو قائلين على احتمال فتح الهمزة والكسرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>