للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

عند ابن ماجه وحديث أنس فيه: أن أبا بكر كان إماماً. أخرجه الترمذي والنسائي- انتهى كلام الحافظ. قلت: حديث أرقم عن ابن عباس أخرجه أيضاً أحمد (ج١ ص٢٣١و ٢٥٥و ٢٥٦) والطحاوى في شرح الآثار (ج١ ص٢٣٥) وفي مشكله (ج٢ ص٢٧) وابن سعد في طبقاته (ج٢ ص١٣٠) والبيهقي في سننه (ج٣ ص٨١) . ومدار هذا الحديث عند الجميع على أبي إسحاق السبيعي عن أرقم بن شرحبيل، وأبوإسحاق مدلس واختلط بآخره. وقد رواه بالعنعنة. وقد قال البخاري لا يذكر سماعاً من أرقم بن شرحبيل- انتهى. وحديث أنس قد صححه الترمذي، وأخرجه أيضاً أحمد (ج٣ ص١٥٩، ٢٣٣، وص٢٤٣) . والراجح عندي أن القصة واحدة، وأن الاختلاف في إمامة النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر في صلاة واحدة. وإن هذا الاختلاف من تصرف الرواة فقط، وهو ظاهر من سياق الأحاديث الواردة في الباب وطرقها، ومن صنيع الشيخين حيث لم يخرجا في صحيحيهما من طرق حديث عائشة إلا ما فيه إمامة النبي - صلى الله عليه وسلم - مع ثقة رواة الخلاف، ولم يخرجا حديث أنس أصلاً. قال الحافظ: قد صرح الشافعي بأنه - صلى الله عليه وسلم - لم يصل بالناس في مرض موته في المسجد إلا مرة واحدة، وهي هذه التي صلى فيها قاعداً، وكان أبوبكر فيها أولاً إماماً ثم صار مأموماً يسمع الناس التكبير- انتهى. وقال ابن عبد البر: الآثار الصحاح على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان الإمام- انتهى. وفي هذه القصة من الفوائد غير ما مضى تقديم أبي بكر وترجيحه على جميع الصحابة، والأدب مع الكبير لهم أبي بكر بالتأخر عن الصف وإكرام الفاضل؛ لأنه أراد أن يتأخر حتى يستوي، فلم يتركه النبي - صلى الله عليه وسلم - يتزحزح عن مقامه وفيه أن الإيماء يقوم مقام النطق واقتصار النبي - صلى الله عليه وسلم - على الإشارة يحتمل أن يكون لضعف صوته، ويحتمل أن يكون للإعلام بأن مخاطبة من يكون في الصلاة بالإيماء أولى من النطق. وفيه تأكيد أمر الجماعة والأخذ فيها بالأشد وإن كان المرض يرخص في تركها، ويحتمل أن يكون فعل ذلك لبيان جواز الأخذ بالأشد وإن كانت الرخصة أولى. وقال الطبري: إنما فعل ذلك لئلا يعذر أحد من الأئمة بعده في نفسه بأدنى عذر فيتخلف عن الإمامة، ويحتمل أن يكون قصد إفهام الناس أن تقديمه لأبي بكر كان لأهليته لذلك حتى أنه صلى خلفه. واستدل به على جواز استخلاف الإمام لغير ضرورة لصنيع أبي بكر. وعلى جواز مخالفة موقف المأموم للضرورة، كمن قصد أن يبلغ عنه، ويلتحق به من زحم عن الصف، وعلى جواز ائتمام بعض المأمومين ببعض، وهو قول الشعبي واختيار الطبري، وأومأ إليه البخاري كما تقدم. وتعقب بأن أبا بكر إنما كان مبلغاً كما سيأتي الآن، وعلى هذا فمعنى الإقتداء اقتداءهم بصوته، ويؤيده أنه - صلى الله عليه وسلم - كان جالساً وكان أبوبكر قائماً، فكان بعض أفعاله يخفى على بعض المأمومين، فمن ثم كان أبوبكر كالإمام في حقهم، وتأويله بأن المراد أن أبا بكر كان يراعي في الصلاة حاله - صلى الله عليه وسلم - في القيام والركوع والسجود، فكأنه كان مقتدياً به، كما ورد في

<<  <  ج: ص:  >  >>