للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

تكن لك نافلة وهذه مكتوبة)) .

ــ

(تكن) أي الصلاة الثانية التي صليتها مع الناس. (نافلة) بالنصب أي زائدة على الفرض. (وهذه) أي الصلاة الأولى التي صليتها في منزلك، ويحتمل العكس، لكن حديث يزيد بن الأسود المتقدم، وحديث محجن عند أحمد (ج٤ ص٣٣٨) وحديث أبي ذر السياق في باب تعجيل الصلاة يرجع الاحتمال الأول. (مكتوبة) بالرفع. وقيل: بالنصب. واعلم أنه اختلف في الصلاة التي تصلى مرتين: هل الفريضة الأولى أو الثانية، فقال الشافعي في القديم: إن الفريضة الثانية إذا كانت الأولى فرادى، واستدل له بحديث يزيد بن عامر هذا، لأن ظاهره أن الصلاة الأولى تكون نافلة. والثانية التي يصليها مع الناس مكتوبة، ويقوي ذلك رواية الدارقطني بلفظ: وليجعل التي صلى في بيته نافلة، وذكرها الحافظ في التلخيص (ص١٢٢) والزيلعي في نصب الراية (ج٢ ص١٥٠) . والمشهور في مذهب المالكية هو أن يعيدها في الجماعة بنية الفرض مع التفويض لله تعالى في قبول ما شاء من الصلاتين لفرضه. وقال في الشرح الكبير: وندب لمن لم يحصل فضل الجماعة أن يعيد صلاته ولو بوقت ضرورة لا بعده مفوضا أمره لله تعالى في قبول أيهما شاء لفرضه. قال الدسوقي: ما ذكره المصنف من كون المعيد ينوي التفويض. قال الفاكهاني: هو المشهور في المذهب. وقيل: ينوي الفرض. وقيل ينوي النفل. وقيل: ينوي إكمال الفريضة. وقال ابن عبد البر: أجمع مالك وأصحابه: أن من صلى وحده لا يؤم في تلك الصلاة. وهذا يدل على أن الأولى هي فريضة، ومقتضى قواعد المالكية أنها على وجه الاعتداد بها، وبحسب النظر الفقهي الدنيوى هي الصلاة الأولى، وأما بالاعتبار الأخروي فالأمر مفوض إلى الله تعالى، واستدلوا للتفويض بأثر ابن عمر الذي بعد هذا. وقال الشافعي في الجديد: إن الأولى هي الفريضة، وهو مذهب الحنفية، وهو الحق لحديث يزيد بن الأسود السابق، ولحديث محجن عند أحمد، ولحديث أبي ذر المتقدم في باب تعجيل الصلاة، ولحديث ابن مسعود عند مسلم، وأبي داود في معنى حديث أبي ذر، وغير ذلك من الأحاديث التي ذكرها الهيثمي في مجمع الزوائد (ج٢ ص٤٤) . وأما حديث يزيد بن عامر الذي استدل به لقول الشافعي في القديم فهو ضعيف، ضعفه النووي، لأن في سنده نوح بن صعصعة، وهو مستور، كما قال الحافظ في التقريب. وقال الدارقطني: حاله مجهولة كما في تهذيب التهذيب. وقال البيهقي: إن حديث يزيد بن الأسود أثبت منه وأولى، مع أن اللفظ المذكور في الكتاب ليس بصريح فيما ذهب إليه الشافعي. وأما الرواية بلفظ: وليجعل التي صلى في بيته نافلة، فهي ضعيفة شاذة، كما صرح به الدارقطني على ما نقله الحافظ عنه في التلخيص (ص١٢٢) . وقال الزيلعي في نصب الراية (ج٢ ص١٥٠) : قال الدارقطني والبيهقي إنها رواية ضعيفة شاذة مردودة لمخالفتها الثقات. قال الشوكاني: وعلى فرض صلاحية حديث يزيد بن عامر للاحتجاج به، كما هو مقتضى سكوت أبي داود والمنذري، فالجمع بينه وبين حديث الباب ممكن بحمل حديث يزيد بن الأسود على من صلى الصلاة الأولى في جماعة، وحمل حديث يزيد بن عامر على من صلى منفرداً، كما هو الظاهر

<<  <  ج: ص:  >  >>