للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

......................

ــ

وربيعة وأحمد وإسحاق وداود وبعض أصحاب الشافعي إلى أنه يحرم عليه أخذ شيء من شعره وأظفاره حتى يضحي في وقت الأضحية، واحتج هؤلاء بحديث أم سلمة؛ لأن النهي ظاهر في التحريم، وقال الشافعي وأصحابه: هو مكروه كراهة تنزيه، ليس بحرام، وحكي عنه أن ترك الحلق والتقصير والقلم لمن أراد التضحية مستحب، وقال أبوحنيفة: هو مباح لا يكره ولا يستحب، والحديث يرد عليه، وقال مالك في رواية: لا يكره، وفي رواية: يكره، وفي رواية: يحرم في التطوع دون الواجب، واحتج الشافعي بحديث عائشة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يبعث بهديه ولا يحرم عليه شيء أحله الله له حتى ينحر هديه، أخرجه الشيخان، قال الشافعي: البعث بالهدي أكثر من إرادة التضحية، فدل على أنه لا يحرم ذلك – انتهى. فجعل هذا الحديث مقتضياً لحمل حديث الباب على كراهة التنزيه، قال الشوكاني: ولا يخفى أن حديث أم سلمة أخص منه مطلقاً، فيبنى العام على الخاص، ويكون الظاهر مع من قال بالتحريم، ولكن على من أراد التضحية – انتهى. وقال ابن قدامة في المغني (ج٨ ص٦١٩) : حديث عائشة عام، وحديث أم سلمة خاص يجب تقديمه بتنزيل العام على ما عدا ما تناوله الحديث الخاص، ولأنه يجب حمل حديث عائشة على غير محل النزاع لوجوه فذكرها، ثم قال: ولأن عائشة تخبر عن فعله، وأم سلمة عن قوله، والقول يقدم على الفعل لاحتمال أن يكون فعله خاصاً له – انتهى. وأجاب الطحاوي عن حديث أم سلمة بأنه موقوف، وقد أعله الدارقطني أيضاً بالوقف، قال الطحاوي في شرح الآثار بعد رواية حديث أم سلمة موقوفاً ما لفظه: فهذا هو أصل الحديث عن أم سلمة – رضي الله عنها – انتهى. وتعقب بأنه لا شك في أن بعض الرواة روى حديث أم سلمة موقوفاً، لكن أكثرهم رووه بأسانيد صحيحة مرفوعاً، وقد بسط هذه الأسانيد مسلم والنسائي، وتلك الطرق المرفوعة كلها صحيحة، فكيف يصح القول بأن حديث أم سلمة الموقوف هو أصل الحديث، بل الظاهر أن المرفوع هو أصل الحديث، وأفتت أم سلمة على وفق حديثها المرفوع، فروى بعضهم موقوفاً عليها من قولها. والحاصل أن حديث أم سلمة مرفوعاً صحيح، وهو حديث قولي ولم يجئ ما يعارضه، فالأخذ به متعين، ومقتضى النهي التحريم، فالراجح عندنا ما ذهب إليه أحمد ومن وافقه، والله تعالى أعلم. واختلفوا في بيان حكمة النهي، فقيل: للتشبه بالمحرم، قال التوربشتي: وهذا قول إذا أطلق لم يستقم؛ لأن هذا الحكم لو شرع للتشبه بهم لشاع ذلك في سائر محظورات الإحرام، ولما خص بما يؤخذ من أجزاء البدن كالشعر والظفر والبشر، وقال النووي: قال أصحابنا: هذا الوجه غلط؛ لأنه لا يعتزل النساء، ولا يترك الطيب واللباس وغير ذلك مما يتركه المحرم، وتعقب بأن التشبه لا يلزم من جميع الوجوه، وقيل: الحكمة أن يبقى كامل الأجزاء للعتق من النار، قال التوربشتي: إن المضحي يجعل أضحيته فدية يفتدي بها نفسه من عذاب يوم القيامة ويرتاد بها القربة لوجه الله الكريم، فكأنه لما اكتسب عن السيئات وأتى به من التقصير في حقوق الله رأى نفسه مستوجبة أن يعاقبه

<<  <  ج: ص:  >  >>