للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

................................

ــ

إنما هو التقدم والتأخر كما صرح به في رواية مسلم وغيره لا الركوع ورفع الرأس منه. ومنها ما ذكره صاحب العرف الشذى: أن الركوع الثاني لم يكن ركوعاً صلوياً بل كان ركوع آية وتخشع وتضرع يعني كان بدل السجود للآيات مما رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - من الجنة والنار ممثلتين في جدار القبلة، فتعدد الركوع كتعدد السجود في الصلاة عند تلاوة آية السجدة، فكما تتعدد السجدة لداعية كذلك يجوز أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - ركع ركوعين؛ لأنه شاهد فيما ما لم يكن يشاهد في عامة الصلوات والسجود عند ظهور آية معروف. قال أبوعبد الله البلخي: إن الزيادة ثبتت في صلاة الكسوف لا للكسوف بل لأحوال اعترضت حتى روي أنه - صلى الله عليه وسلم - تقدم في الركوع حتى كان كمن يأخذ شيئاً ثم تأخر كمن ينفر عن شيء، فيجوز أن تكون الزيادة منه باعتراض تلك الأحوال، كذا في البدائع، وحاصل هذا كله أنه تعدد الركوع مختص بالنبي - صلى الله عليه وسلم -. وهذا نحو ما تقدم من المحيط البرهاني، وقد تقدم جوابه، ويزاد عليه أنه لا فرق بين الركوعين في الصورة، فكما أن الركوع الأول كان ركوع صلاة لا ركوع آية وتخشع كذلك كان الركوع الثاني ركوع صلاة لا ركوع آية، ومن يدعي الفرق بينهما فليأت بدليل صريح قوي على ذلك، ولا يكفي في مثل هذا الإمكان والاحتمال والتجويز، ويدل على بطلان هذا القول ودعوى الاختصاص عمل الصحابة بتعدد الركوع بعد النبي - صلى الله عليه وسلم -، ويبطله أيضاً أن التقدم والتأخر إنما وقع من النبي - صلى الله عليه وسلم - في حال قيامه الثاني من الركعة الثانية كما رواه سعيد بن منصور في سننه لا في الركوع كما قال البلخي. ومنها ما قال الفخر الزيلعي في شرح الكنز: أنه - صلى الله عليه وسلم - طول الركوع فيها فمل بعض القوم فرفعوا رؤوسهم أو ظنوا أنه – عليه الصلاة والسلام – رفع رأسه فرفعوا رؤوسهم أو رفعوا رؤوسهم على عادة الركوع المعتاد، فوجدوا النبي - صلى الله عليه وسلم - راكعاً فركعوا ثم فعلوا ثانياً وثالثاً كذلك ففعل من خلفهم كذلك ظناً منهم أن ذلك من النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم روى كل واحد منهم على ما وقع في ظنه، ومثل هذا الاشتباه قد يقع لمن كان في آخر الصفوف، فعائشة في صفوف النساء، وابن عباس في صفوف الصبيان، وحكى الطحطاوي على المراقي هذا التأويل عن الإمام محمد، وقال فروى كل واحد على حسب ما عنده من الاشتباه، قال بعض من كتب على الموطأ من أهل عصرنا: هذا أوجه؛ لأنه تجمع به الروايات كلها – انتهى. قلت: بل هو أسخف من جميع ما تأولوا به روايات تعدد الركوع فضلاً عن أن يكون وجيهاً أو أوجه، لا يخفى ركاكته وسخافته على من له أدنى فهم، ولله در صاحب فيض الباري حيث اعترف بركاكته فقال: وما قالوا – أي في تأويل أحاديث تعدد الركوع – أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان ركع فيه ركوعاً طويلاً وكان الصحابة يرفعون رؤوسهم يرون أنه هل قام منه أم لا فتوهم المتأخرون منهم تعدد الركوع فإنه ركيك عندي وإن كان أصله من المبسوط للسرخسي – انتهى. قلت: ويبطل هذا التأويل أن عائشة وأسماء – وهما ممن روى تثنية الركوع – لم تكونا في صفوف النساء، بل صلتا في حجرة

<<  <  ج: ص:  >  >>