للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

١٥٠- (١١) وعن أبي موسى قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضاً، فكانت منها طائفة طيبة قبلت الماء، فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكانت منها أجادب أمسكت الماء. فنفع الله بها الناس، فشربوا وسقوا وزرعوا،

ــ

١٥٠- قوله: (والعلم) عطف على "الهدى" من عطف المدلول على الدليل؛ لأن الهدى هو الدلالة الموصلة إلى المقصد، والعلم هو المدلول، وهو صفة توجب تمييزاً لا يحتمل النقيض، والمراد به هنا الأدلة الشرعية. (كمثل الغيث) أي المطر، واختار اسم الغيث ليؤذن باضطرار الخلق إليه إذ جاءهم على فترة من الرسل، وضرب المثل بالغيث للمشابهة التي بينه وبين العلم، فإن الغيث يحيى البلد الميت والعلم يحيى القلب الميت. (أصاب) صفة للغيث على أن اللام لتعريف الجنس ومدخوله كالنكرة فيوصف بالجملة كما في قوله: {كمثل الحمار يحمل أسفارا} [٥:٦٢] ويجوز أن يكون حالاً منه (أرضاً) أي هي محل الانتفاع، وهذا القيد متروك ههنا اعتماداً على فهمه من التفصيل، وبقرينه ذكر ضده في مقابل هذا القسم وهو قوله: وأصاب منها طائفة أخرى إنما هي قيعان ... الخ؛ لأن قوله: "وأصاب منها طائفة أخرى" معطوف على جملة "أصاب أرضاً" وهذا ظاهر، وعلى هذا فضمير "منها" في "وأصاب منها" لمطلق الأرض المفهوم من الكلام، لا الأرض المذكورة أولاً في قوله: أصاب أرضاً، فصار الحاصل أنه قسم الأرض بالنسبة إلى المطر إلى قسمين لا إلى ثلاثة كما توهمه كثير من الفضلاء، فظهر انطباق المثل بالمثل له، واندفع إيراد أن المذكور في المثل ثلاثة أقسام وفي الممثل له قسمان، كما لا يخفى، إلا أنه قسم القسم الأول من الأرض الذي هو محل الانتفاع أيضاً إلى قسمين: قسم ينتفع بنتائج مائه النازل فيه وثمراته لا بعين ذلك الماء، وقسم ينتفع بعين مائه، تنبيهاً على أن الذي ينتفع بعلمه الواصل إليه قسمان من الناس: قسم ينتفع بثمرات علمه ونتائجه كأهل الاجتهاد والاستخراج والاستنباط، وقسم ينتفع بعين علمه ذلك كأهل الحفظ والرواية، والحاصل أنه - صلى الله عليه وسلم - شبه ما أعطاه الله من أنواع العلوم بالوحي الجلي أو الخفي بالماء النازل من السماء في التطهير، وكمال التنظيف، والنزول من العلو إلى السفل، ثم قسم الأرض بالنظر إلى ذلك الماء قسمين: قسماً هو محل الانتفاع، وقسماً لا انتفاع فيه، وكذا قسم الناس بالنظر إلى العلم قسمين على هذا الوجه، إلا أنه قسم القسم الأول من الأرض إلى قسمين، واكتفى به في قسمة القسم الأول من الناس إلى قسمين لوضوح الأمر، وعلى هذا فأصل المثل تام بلا تقدير في الكلام. قاله السندهي، (فكانت منها طائفة طيبة قبلت) "منها" صفة "طائفة" قدمت علبها فصارت حالاً، و"طيبة " مرفوع على أنها صفة طائفة، و"قبلت" منصوبة بخبر كانت. (الكلأ) بفتح الكاف واللام، آخره مهموز مقصور، النبات رطباً ويابساً، والكلا مقصور بغير الهمزة مختص بالرطب منه، فالكلأ بالهمز أنسب ليكن عطف الأخص على الأعم. (والعشب) بضم العين، وهو مختص بالرطب من النبات. (وكانت منها) أي من الأرض التي هي محل الانتفاع (أجادب) جمع جدب، وهي الأرض الصلبة التي تمسك الماء ولا تنبت الكلأ (فنفع الله بها) أي بالأجادب (وسقوا) أي دوابهم (وزرعوا) أيما يصلح للزرع،

<<  <  ج: ص:  >  >>