للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

والصيام جنة،

ــ

من ريح المسك كما سيأتي المكلوم وريح جرحه تفوحه مسكاً. ومنها أن المراد أن صاحب الخلوف ينال من الثواب ما هو أفضل من ريح المسك عندنا لاسيما بالإضافة إلى الخلوف وهما ضدان حكى القولين عياض. ومنها أن ذلك في حق الملائكة وأنهم يستطيبون ريح الخلوف أكثر مما يستطيبون ريح المسك فالمراد بعند الله عند ملائكته ومنها أنه يعتد برائحة الخلوف ويدخر على ما هي عليه أكثر مما يعتد بريح المسك وإن كانت عندنا نحن بخلافه حكاه عياض أيضاً. ومنها أن الخلوف أكثر ثواباً من المسك المندوب إليه في الجمع والأعياد ومجالس الحديث والذكر وسائر مجامع الخير قاله الداودي وأبوبكر بن العربي والقرطبي. وقال النووي: هو الأصح وحاصله حمل معنى الطيب على القبول والرضا ومنها إن الغرض نهي الناس عن تقذر مكالمة الصائمين بسبب الخلوف هذا، وإنما كان أثر الصوم أطيب من أثر الجهاد حيث وصف خلوف فم الصائم بأنه أطيب من ريح المسك، ودم الشهيد شبه ريحه بريح المسك مع ما فيه من المخاطرة بالنفس وبذل الروح، لأن الصوم أحد أركان الإسلام بخلاف الجهاد، ولأن الجهاد فرض كفاية، والصوم فرض عين، وفرض العين أفضل من فرض الكفاية، كما نص عليه الشافعي ذكره القسطلاني، واستدل به على كراهة السواك للصائم بعد الزوال لما فيه من إزالة الخلوف المشهود له بأنه أطيب من ريح المسك، وسيأتي الكلام فيه في شرح حديث عامر بن ربيعة في باب تنزيه الصوم (والصيام جنة) بضم الجيم وتشديد النون وهي الوقاية والستر. قال المنذري: هو ما يجنك أي يسترك ويقيك مما تخاف ومعنى الحديث إن الصوم يستر صاحبه ويحفظه من الوقوع في المعاصي - انتهى. قلت: زاد الترمذي وسعيد بن منصور جنة من النار وللنسائي من حديث عثمان بن أبي العاص جنة من النار كجنة أحدكم من القتال، ولأحمد من حديث أبي هريرة جنة وحصين حصين من النار، ولأحمد والنسائي والبيهقي من حديث أبي عبيدة بن الجراح الصيام جنة ما لم يخرقها زاد الدارمي بالغيبة. قال الحافظ: بعد ذكر هذه الروايات قد تبن بها متعلق هذا الستر وإنه من النار وبهذا جزم ابن عبد البر. وأما صاحب النهاية فقال معنى كونه جنة أي يقي صاحبه ما يؤذيه من الشهوات. وقال القرطبي: جنة أي سترة بحسب مشروعيته فينبغي للصائم أن يصونه مما يفسده وينقص ثوابه، وإليه الإشارة بقوله: فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث إلى آخره، ويصح أن يراد أنه سترة بحسب فائدته وهو أضعاف شهوات النفس. وإليه الإشارة بقوله: يدع شهوته إلى آخره، ويصح أن يراد أنه سترة بحسب ما يحصل من الثواب وتضعيف الحسنات. وقال عياض: في الإكمال معناه سترة من الآثام أو من النار من جميع ذلك وبالأخير جزم النووي. وقال ابن العربي: إنما كان الصوم جنة من النار؛ لأنه إمساك عن الشهوات والنار محفوفة بالشهوات، فالحاصل إنه إذا كف نفسه عن الشهوات في الدنيا كان ذلك ساتراً له من النار في الآخرة. وقال الشاه ولي الله الدهلوي:

<<  <  ج: ص:  >  >>