للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقد استشكل ذكر النصارى بأن التعليل بنجاة موسى وغرق فرعون المذكور في حديث ابن عباس الآتي في الفصل الثالث يختص بموسى واليهود، وأجيب باحتمام أن يكون عيسى كان يصومه، وهو مما لم ينسخ من شريعة موسى لأن كثيراً منها ما نسخ بشريعة عيسى لقوله تعالى {ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم} [آل عمران:٥٠] ويقال إن أكثر الأحكام الفرعية إنما تتلقاها النصارى من التوراة (لئن بقيت) أي في الدنيا أو لئن عشت (إلى قابل) أي إلى عام قابل وهو السنة الآتية (لأصومن التاسع) وفي رواية فإذا كان العام المقبل إن شاء الله صمنا اليوم التاسع قال فلم يأت العام المقبل حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمعنى لأصومن التاسع مع العاشر لأجل مخالفة أهل الكتاب. قال الحافظ في الفتح: ما هم به - صلى الله عليه وسلم - من صوم التاسع يحتمل معناه أنه لا يقتصر عليه بل يضيفه إلى اليوم العاشر إما إحتياطاً وإما مخالفة لليهود والنصارى وهو الأرجح، وبه يشعر بعض روايات مسلم ولأحمد من وجه آخر عن ابن عباس مرفوعاً صوموا يوم عاشوراء وخالفوا اليهود، وصوموا يوماً قبله أو يوماً بعده، وهذا كان في آخر الأمر وقد كان - صلى الله عليه وسلم - يجب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه بشيء، ولا سيما إذا كان فيما يخالف فيه أهل الأوثان، فلما فتحت مكة واشتهر أمر الإسلام أحب مخالفة أهل الكتاب أيضاً كما ثبت في الصحيح فهذا من ذلك فوافقهم أولا وقال نحن أحق بموسى منكم ثم أحب مخالفتهم، فأمر بأن يضاف إليه يوم قبله ويوما بعده خلافاً لهم. ويؤيده رواية الترمذي من طريق أخرى بلفظ: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بصيام عاشوراء يوم العاشر-انتهى. وقال الرافعي في صوم التاسع معنيان منقولان عن ابن عباس أحدهما، الإحتياط فإنه ربما وقع في الهلال غلط فيظن العاشر التاسع، وثانيهما، مخالفة اليهود فإنهم لا يصومون إلا يوماً واحداً، فعلى هذا لو لم يصم التاسع استحب له صوم الحادي عشر-انتهى. قال الحافظ في التلخيص (١٩٩) والمعنيان كما قال عن ابن عباس منقولان، وكذا القياس الذي ذكره، منقول عنه بل مرفوع من روايته. وقد روى البيهقي من طريق ابن أبي ذئب عن شعبة مولى ابن عباس قال كان ابن عباس يصوم عاشوراء يومين ويوالي بينهما مخافة أن يفوته فهذا المعنى الأول. وأما المعنى الثاني، فقال الشافعي أنا سفيان أنه سمع عبيد الله بن أبي يزيد يقول سمعت ابن عباس يقول: صوموا التاسع والعاشر ولا تشبهوا باليهود. وفي رواية للبيهقي عن ابن عباس مرفوعاً لئن بقيت لآمرن بصيام يوم قبله أو بعده كما تقدم، وفي رواية له صوموا عاشوراء وخالفوا اليهود، صوموا قبله يوماً أو بعده يوماً-انتهى. وقال بعض أهل العلم: قد ظهر أن القصد مخالفة أهل الكتاب في هذه العبادة مع الإتيان بها، وذلك يحصل بأحد أمرين إما بنقل العاشر إلى التاسع أو بصيامهما معاً، وقوله "لئن بقيت لأصومن التاسع" يحتمل الأمرين فلما توفي صلى الله عليه وسلم قبل بيان ذلك كان الإحتياط صوم اليومين معاً-انتهى. ورجح ابن القيم المعنى الذي ذكره الحافظ في الفتح إحتمالاً قال: هو أصوب إن شاء الله تعالى،

<<  <  ج: ص:  >  >>