للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

..............................................................................................

ــ

وزنوا وأكثروا فأتوا محمدًا - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: إن الذي تقول وتدعو إليه لحسن لو تخبرنا إن لما عملنا كفارة فنزل {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ} (الفرقان: ٦٨) ونزل {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ} (الزمر: ٥٣) أخرجه البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي. قال ابن كثير: المراد من الآية الأولى قوله تعالى: {إِلا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً} (الفرقان: ٧٠) الآية ثم ذكر حديث ثوبان الآتي في الفصل الثالث، وحديث أسماء الذي نحن في شرحه ثم قال: فهذه الأحاديث كلها دالة على أن المراد أنه يغفر جميع ذلك مع التوبة ولا يقنطن عبد من رحمه الله وإن عظمت ذنوبه وكثرت، فإن باب الرحمة والتوبة واسع ثم ذكر ابن كثير الآيات والأحاديث الدالة على الحث على التوبة والاستغفار. وقال الجمل (ج٣: ص٧٢٤) : وهذه الآية عامة في كل كافر يتوب ومؤمن عاص يتوب فتمحو توبته ذنبه، والمراد منها التنبيه على أنه لا ينبغي للعاصي أن يظن أنه لا مخلص له من العذاب فإن من اعتقد ذلك فهو قانط من رحمة الله تعالى إذ لا أحد من العصاة إلا وإنه متى تاب زال عقابه وصار من أهل المغفرة والرحمة. فمعنى قوله: {إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً} (الزمر: ٥٣) أي: بالتوبة إذا تاب وصحت توبته فمحصت ذنوبه، ومن مات قبل أن يتوب فهو موكول إلى مشيئة الله تعالى فيه، فإن شاء غفر له وعفى عنه، وإن شاء عذبه بقدر ذنوبه، ثم يدخله الجنة بفضله ورحمته، فالتوبة واجبة على كل واحد وخوف العقاب قائم فلعل الله يغفر مطلقًا ولعله يعذب ثم يغفر بعد ذلك - انتهى. وإليه أي إلى تقييد آية الزمر بالتوبة، ذهب ابن القيم حيث قال في الجواب الكافي (ص١٦) ومدارج السالكين (ج١: ص٣٩٤) إن هذه الآية في حق التائبين وقوله: {إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ} في حق غير التائب. وذهب بعضهم إلى أن الآية على إطلاقها. قال العلامة القنوجي البوفالي في فتح البيان (ج٨: ص١٦٦) والحق أن الآية غير مقيدة بالتوبة بل هي على إطلاقها، وإليه ذهب الشوكاني حيث قال في فتح القدير (ج٤: ص٤٥٦، ٤٥٧) الألف واللام قد صيرت الجمع الذي دخلت عليه (وهو قوله: الذنوب) للجنس الذي يستلزم استغراق أفراده فهو في قوة إن الله يغفر كل ذنب كائنًا ما كان، إلا ما أخرجه النص القرآني وهو الشرك: {إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ} (النساء: ٤٨) ثم لم يكتف بما أخبر عباده به من مغفرة كل ذنب بل أكد ذلك بقوله جميعًا. قال الشوكاني: والجمع بين هذه الآية وبين قوله تعالى: {إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ} هو إن كل ذنب كائنًا ما كان ما عدا الشرك بالله مغفور لمن شاء الله أن يغفر له، على أنه يمكن أن يقال أن إخباره لنا بأنه يغفر الذنوب جميعًا، يدل على أنه يشاء غفرانها جميعًا، وذلك يستلزم أنه يشاء المغفرة لكل المذنبين من المسلمين فلم يبق تعارض

<<  <  ج: ص:  >  >>