للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ. اللَّهُمَّ اغْسِلْ خَطَايَايَ بِمَاءِ الثَّلْجِ وَالْبَرَدِ وَنَقِّ قَلْبِي كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الْأَبْيَضُ مِنْ الدَّنَسِ، وَبَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ. متفق عليه.

ــ

في فتنة الفقر مدرجًا من بعض الرواة على أنه لم ينف مجيء لفظ شر في غير الغنى، ولا يلزمه هذا لأنه في بيان هذا الموضع الذي وقع هنا خاصة - انتهى. قال الحافظ في انتقاض الاعتراض: حكاية هذا الكلام، أي الذي قاله العيني تغني العارف عن التشاغل بالرد عليه - انتهى. قال الغزالي: فتنة الغنى الحرص على جمع المال والحب على أن يكسبه من غير حله ويمنعه من واجبات إنفاقه وحقوقه وفتنة الفقر يراد به الفقر الذي لا يصحبه صبر ولا ورع حتى يتورط صاحبه بسببه فيما لا يليق بأهل الدين والمروءة ولا يبالي بسبب فاقته على أي حرام وثب ولا في أي حالة تورط. وقيل: المراد فقر النفس الذي لا يرده ملك الدنيا بحذافيرها وليس فيه ما يدل على تفضيل الفقر على الغنى ولا عكسه (ومن شر فتنة المسيح الدجال) تقدم شرحه في باب الدعاء في التشهد (اللهم اغسل خطاياي) أي أزلها عني (بماء الثلج والبرد) بفتحتين حب الغمام أي بأنواع الألطاف والرحمة كأن كل نوع من الماء بمنزلة نوع من الرحمة والتطهير وحكمة العدول عن الماء الحار إلى الثلج والبرد مع أن الحار في العادة أبلغ في إزالة الوسخ الإشارة إلى أن الثلج والبرد ماءان طاهران لم تمسهما الأيدي ولم يمتهنهما الاستعمال فكان ذكرهما آكد في هذا المقام، أشار إلى هذا الخطابي. وقد سبق كلامه في شرح حديث أبي هريرة في أول باب ما يقرأ بعد التكبير. وقال الكرماني: وله توجيه آخر وهو أنه جعل الخطايا بمنزلة النار لكونها تؤدي إليها فعبر عن إطفاء حرارتها بالغسل تأكدًا في إطفاءها وبالغ فيه باستعمال المياه الباردة غاية البرودة (ونق) بفتح النون وتشديد القاف من التنقية (قلبي) الذي هو بمنزلة ملك الأعضاء واستقامتها باستقامته. وقوله ((نق قلبي)) هكذا في جميع نسخ المشكاة والمصابيح، وشرح السنة، والذي في الصحيحين ((ونق قلبي من الخطايا)) والعجب أنه لم يتنبه لذلك المؤلف، والمراد الخطايا الباطنية وهي الأخلاق الذميمة والشمائل الردية (كما ينقي) بصيغة المجهول الغائب، وفي رواية ((نقيت)) بصيغة المعلوم المخاطب (الثوب الأبيض من الدنس) بفتحتين، أي الدرن والوسخ وفيه إيماء إلى أن القلب بمقتضى أصل الفطرة سليم ونظيف وأبيض، وإنما يتسود بارتكاب الذنوب والتخلق بالعيوب (وباعد) ، أي بعّد وعبر بالمفاعلة للمبالغة (بيني وبين خطاياي) كرر بين هنا دون ما بعده لأن العطف على الضمير المجرور يعاد فيه الخافض (كما باعدت) ما مصدرية والكاف للتشبيه، أي كتبعيدك (بين المشرق والمغرب) تقدم بيان موقع التشبيه والمراد من المباعدة في شرح حديث أبي هريرة في باب ما يقرأ بعد التكبير، واستعاذته - صلى الله عليه وسلم - من الأشياء المذكورة في هذا الحديث وغيره لتكمل صفاته في كل أحواله أو تعليمًا لأمته، أو المراد إظهار الافتقار والعبودية نظرًا إلى استغنائه وكبريائه تعالى. (متفق عليه) أخرجاه في الدعوات وأخرجه أيضًا الترمذي، وابن ماجه في الدعاء، والنسائي في الاستعاذة، والبغوي (ج٥: ص١٥٧، ١٥٨) غير أنه قدم بعضهم وأخر بعض الألفاظ، وأخرجه أبو داود مختصرًا في أواخر الصلاة، والحاكم مطولاً (ج١: ص٥٤١) .

<<  <  ج: ص:  >  >>