للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فِي الْفَقْرِ وَالْغِنَى، وَأَسْأَلُكَ نَعِيمًا لَا يَنْفَدُ وَأَسْأَلُكَ قُرَّةَ عَيْنٍ لَا تَنْقَطِعُ وَأَسْأَلُكَ الرِّضَاءَ بَعْدَ الْقَضَاءِ وَأَسْأَلُكَ بَرْدَ الْعَيْشِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَأَسْأَلُكَ لَذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ وَالشَّوْقَ إِلَى لِقَائِكَ فِي غَيْرِ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ

ــ

وهو التوسط بلا إفراط وتفريط (في الفقر والغنى) لأن المختار أن الكفاف أفضل من الفقر ومن الغنى قاله في اللمعات، وقال المناوي: القصد أي التوسط في الفقر والغنى هو الذي ليس معه إسراف ولا تقتير، فإن الغنى يبسط اليد ويطغي النفس، والفقر يكاد أن يكون كفرًا، فالتوسط هو المحبوب المطلوب. وقال الشوكاني: القصد في كتب اللغة بمعنى استقامة الطريق والاعتدال، وبمعنى ضد التفريط وهو المناسب هنا لأن بطر الغني ربما جر إلى الإفراط وعدم الصبر على الفقر ربما أوقع في التفريط فالقصد فيهما هو الطريقة القويمة (لا ينفد) بفتح الفاء وبالدال المهملة أي لا يفنى ولا ينقضي ولا ينقص، وذلك ليس إلا نعيم الآخرة، وأما غيره فكل نعيم لا محالة زائل (قرة عين لا تنقطع) يحتمل أن يراد الذرية التي لا تنقطع بعده، بل تستمر ما بقيت الدنيا. ولعله مأخوذ من قوله تعالى {رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ} (٢٥: ٧٤) وقيل: أراد المداومة على الصلاة والمحافظة عليها لقوله ((وجعلت قرة عيني في الصلاة)) أو المراد ثواب الجنة الذي لا ينقطع فيكون تأكيدًا لقوله ((نعيمًا لا ينفد)) فيكون بعد تخصيصًا بعد تعميم، وقيل: أراد قرة عينه أي بدوام ذكر الله وكمال محبته والأنس به (وأسألك الرضاء) بالمد، وفي المستدرك الرضى أي بالقصر. قال الجوهري: الرضى مقصورًا مصدر محض والاسم الرضاء ممدودًا (بعد القضاء) وفي رواية للنسائي الرضاء بالقضاء أي بما قدرته لي في الأزل لأتلقاه بوجه منبسط وخاطر منشرح وأعلم أن كل قضاء قضيته لي فلي فيه خير، قيل في وجه الأول: كأنه طلب الرضاء بعد تحقق القضاء وتقرره (برد العيش) أي طيبه وحسنه (بعد الموت) برفع الروح إلى منازل السعداء ومقامات المقربين، والعيش في هذه الدار لا يبرد لأحد بل محشو بالغصص والكدر والنكد ممحوق بالآلام الباطنة والأسقام الظاهرة (لذة النظر إلى وجهك) قال الطيبي: قيد النظر باللذة لأن النظر إلى الله تعالى إما نظر هيبة وجلال في عرصات القيامة، وإما نظر لطف وجمال في الجنة ليؤذن بأن المراد هذا، وفيه أعظم دليل على رؤية الله تعالى في الدار الآخرة كما هو مذهب أهل السنة والجماعة (والشوق إلى لقاءك) أي الاشتياق إلى ملاقاتك في دار المجازاة. قال الشوكاني: إنما سأله ع لأنه من موجبات محبة الله تعالى للقاء عبده لحديث ((من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه)) ومحبة الله تعالى من أسباب المغفرة. وقال ابن القيم: جمع في هذا الدعاء بين أطيب ما في الدنيا وهو الشوق إلى لقاءه، وأطيب ما في الآخرة وهو النظر إليه، ولما كان كلامه موقوفًا على عدم ما يضر في الدنيا ويفتن في الآخرة قال (في غير ضراء) أي شدة، وقيل: أي الحالة التي تضر وهي نقيض السراء وهما بناءان للمؤنث ولا مذكر لهما (مضرة) اسم فاعل من أضر والجار إما متعلق بقوله ((والشوق إلى لقاءك)) أي أسألك شوقًا لا يؤثر في سيري وسلوكي بحيث يمنعني عن ذلك وأن يضرني مضرة، وإما متعلق بأحيني، الثاني أظهر معنى وأقرب لفظًا

<<  <  ج: ص:  >  >>